النارَ التي تشويهم بحرِّها، ثم تقولُ لهم ملائكةُ العذابِ: هذا العذابُ الذي كنتم لا تصدِّقونَ به.
١٨ - ٢٠ - قولُه تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ *كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾؛ أي: ليس الأمرُ كما تقولونَ من تكذيبِكم بالجزاء والعذابِ، ثم أخبرَ عن كتابِ الذين أطاعوا ربَّهم فأكثروا، وعبَدوه فأحسنوا، أخبرَ أنَّ كتابَهم عالٍ قدرُهُ في السماء السابعة (١)، ولتعظيمِ أمرِ هذا الكتابِ
_________
= رؤيته، وعن كرامتهِ، إذ كان الخبر عاماً، ولا دلالة على خصوصه».
وما ذكرته سابقاً يرجِّح المعنى الأول على الثاني، والله أعلم.
وهذا الاختلاف من قبيل اختلافِ التنوُّع؛ لصحَّة القولين، واحتمال الآية لهما معاً، وسببُ الخلاف: أنَّ في الآية حذفاً، وقد اختلفوا في تقديره، فقدَّره بعضهم: محجوبون عن كرامته، وقدَّره آخرون: محجوبون عن رؤيته. والله أعلم.
(١) اختلف السلف في المراد بعلِّيِّين، على أقوال:
الأول: السماءُ السابعة، وهو قول كعب الأحبار، وقتادة من طريق عبيد الله العتكي، وزيد بن أسلم من طريق ابنه أسامة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح.
الثاني: قائمةُ العرشِ اليُمنى، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد.
الثالث: الجنة، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
الرابع: عند سِدْرَةِ المنتهى، وهو قول الضحَّاك من طريق الأجلح.
الخامس: في السماء عند الله، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحَّاك من طريق عبيد. ويجمعُ هذه الأقوالُ أنَّ هذا الكتابَ في السماء السابعة؛ لأن المذكورات المحدَّدة ـ سدرة المنتهى وغيرها ـ في السماء السابعة، وليس هناك خبرٌ قاطع بهذه التحديدات.
قال الطبري: «... فبيَّن أن قوله: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ معناه: في عُلُوٍ وارتفاع، في سماءٍ فوق سماء، وعُلُوٍ فوق عُلُوٍ. وجائزٌ أن يكونَ ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمةِ العرش اليُمنى، ولا خبرَ يقطعُ العُذْرَ بأنه معنيٌّ به بعضٌ دون بعض.
والصوابَ أن يقال في ذلك كما قال الله جل ثناؤه: إن كتابَ أعمالِ الأبرار لفي ارتفاعٍ إلى حدٍّ قد عَلِمَ الله جلَّ وعزَّ منتهاه، ولا علمَ عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصرُ عن السماء السابعة؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك».
ويشهدُ لهذا أنه قد وردَ في بعض طرقِ حديثِ البراء بن عازب: «اكتبوا كتابَ عبدي في علِّيِّين في السماء السابعة»، والله أعلم.