استفهمَ عن موضعِ كتابِهم على طريقة القرآنِ في الاستفهام، فقال: وما أعلمكَ ما عِلِّيُّون؟، ثم بيَّنَ أن كتابَهم قد فُرِغَ منه، فلا يُزادُ فيه ولا يُنقصُ منه، ولا يزولُ رَقْمُهُ كما لا يزولُ الخيطُ الذي على الثوب، والله أعلم.
٢١ - قولُه تعالى: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ أي: يحضرُ كتابَ هؤلاء الأبرارِ مقرَّبو كلِّ سماءٍ (١).
٢٢ - ٢٤ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعْيمٍ *عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ *تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾؛ إنَّ الذين برُّوا باتِّقاء الله وأداءِ فرائضِه لفي تنعُّمٍ دائمٍ لا يزول، وذلك في الجنَّة، التي يجلسونَ على سُرُرِها المزيَّنة في الغُرَفِ (٢)، ينظرونَ ـ وهم عليها ـ إلى ما آتاهم الله من النَّعيم، وأعلى هذا النَّعيم رؤية الباري جلَّ وعزَّ (٣). وإذا رأيتَهم، فإنكَ ترى أَثَرَ التنعُّم على وجوهِهِم بما يظهرُ عليها من الحُسْنِ والبهاء.
٢٥ - ٢٦ - قولُه تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ *خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾؛ أي: يسقيهم خَدَمُهُم من خمرِ الجنة (٤) الذي قد
_________
(١) يمكنُ أن يكونَ تفسيرُ هذا ما وردَ في حديث البراء بن عازب في صعودِ روحِ العبدِ المؤمن، قال: «ثم يُشَيِّعُهُ مقرَّبو كلِّ سماء»، وقد وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد، والله أعلم.
(٢) الأرائكُ هي السُّرُرُ في الحِجَال، والحَجَلَة: المكان المزيَّن والمهيَّأ.
(٣) يلاحظ أن مفعولَ ينظرون محذوف، والتقدير العام أنهم ينظرون إلى ما نعمَ الله عليهم من نعيمِ الجنة، وأعلى هذا النعيم رؤية الله سبحانه، ويكون في هذا مقابَلَةٌ لعذاب الكفَّار بحَجْبِهم عن رؤية الربِّ الوارد في قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾، والله أعلم.
(٤) فسَّر السلف الرحيقَ بخمر الجنة، وردَ ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق مسروق، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح ومنصور، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والحسن من طريق أبي رجاء، وابن زيد، وذكر له شاهداً من شعر حسَّان.