خُلِطَ بالمِسك، وجُعِلَ في نهايته (١)، فهم يشمُّونه من أوَّلِ شُربهم إلى
_________
(١) اختلفت عبارة السلف في تفسير «مختوم وخِتامه» على ثلاثة أقوال:
الأول: ممزوجٌ مخلوط، وردَ ذلك عن ابن مسعود من طريق علقمة ومسروق، وعلقمة من طريق يزيد بن معاوية.
الثاني: أن آخرَ شرابهم من الخمر يُجعل فيه مِسك، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والضحاك من طريق عبيد، وإبراهيم النَخَعي والحسن من طريق أبي حمزة.
الثالث: مطيَّنٌ بمسك؛ أي: غطاؤه من مسك، ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وابن زيد.
وقد رجَّحَ ابن جرير أن المعنى: عاقبته ونهايته مسك، فقال: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك عندنا بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك آخره وعاقبته مسك؛ أي: هي طيِّبة الريح، إن ريحَها في آخر شربهم يُختمُ لها بريحِ المسك.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحَّة؛ لأنه لا وجهَ للخَتْمِ في كلام العرب إلا الطبعَ والفراغ؛ كقولهم: ختمَ فلان القرآن: إذا أتى على آخِره، فإذا كان لا وجهَ للطبعِ على شراب أهلِ الجنةِ يُفهم إذا كان شرابهم جارياً جريَ الماء في الأنهار، ولم يكن معتَّقاً في الدِّنان، فيطيَّنُ عليها وتختم، تعيَّنَ أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر، وهو العاقبة والمشروب آخراً، وهو الذي يختم به الشراب.
وأما الختمُ بمعنى: المزجِ، فلا نعلمهُ مسموعاً من كلام العرب».
وهذا الترجيحُ مبنيٌ على أمرين:
الأول: أن خمرَ الجنةِ نهرٌ كنهر الماء فلا يُتصوَّرُ فيه أن يكون له غطاء من المسك، وهذا صحيح، إلا إنْ ورد في الأحاديث ما يدل على وجود خمر في الدِّنان. وبهذا التعليل رَدَّ قول مجاهد وابن زيد.
الثاني: أنه لم يعلم من كلام العرب: ختامه: خلطه ومزجه، ورَدَّ بهذا على القولِ الذي رواه عن ابن مسعود وعلقمة، وهذا فيه نظر؛ لأن هؤلاء الذين فسَّروا من العرب، وكلامهم في اللغة حجَّة، فلمَ لم يقبل تفسيرهم؟! ولو وازنتَ هذا الموضع بما ورد عنه في تفسيره للفظ الدُّلُوك في قوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، لتبيَّن لك أنه قد خالف ما قعَّدَهُ هناك حيث جعل كلام ابن مسعود حجة في اللغة، ولم يبيِّن هنا سبباً في ردِّهِ هذا القول غير ما قاله، وهو غير صحيح، إذ عدم علمِه بهذا لا يعني عدم وجودِه، مع أنه رواه عمَّن ذكر، والله أعلم. وهذا الاختلافُ كما رأيتَ سببه الاشتراك اللغوي في لفظِ الخَتمِ، وهو من قبل اختلاف التنوُّع، ولو قيل في الترجيح: إنَّ القولَ بأنه عاقبته =