آخِره. وفي طلبِ هذا التنعُّم يجبُ أن يَتبارَى ويَتسابقَ في الحصولِ عليه الذين يريدون النعيمَ الأبديَّ (١).
٢٧ - ٢٨ - قولُه تعالى: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ *عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ أي؛ وهذا الرحيقُ المختومُ بالمسكِ يُخْلَطُ به ماءٌ من عَيْنِ تسنيم، التي ينزلُ عليهم ماؤها من أعلى الجنة، فيشربُه (٢) المقرَّبونَ صِرْفاً غير مخلوطٍ، ويشربه سائرُ المؤمنينَ مخلوطاً بغيره (٣).
_________
= ونهايته مسك؛ لأن هذا المعنى هو الأشهرُ في إطلاق اللفظة، لكان وجهاً في الترجيح، والله أعلم.
(١) يظهرُ ـ والله أعلم ـ أن جملةَ: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ مَعْتَرِضَةٌ بين قوله: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾، وقوله: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾. وفي إيثار مادة التنافس ما يشعر بنفاسَةِ هذا الشيء الذي جُعل للمتسابقين إليه (انظر: التحرير والتنوير).
(٢) عُدِّيَ الفعلُ «يشرب» بالباء، وهو يتعدَّى بدونها، وإنما ذكرت الباء، إشارة لتضمين فعل آخر، ويمكن تقديره بـ «يُروى» أو «يتلذذ» بها المقرَّبون، وهذا مذهبُ أهل البصرة من النحْويين. والكوفيون يرون أن الباء بمعنى «من» في مثل هذا الموضع على التعاقب بين حروف الجر، والأول أمتن في اللغة، وأعمقُ في البلاغة، والله أعلم.
(٣) وردَ ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق مسروق، ومسروق من طريق مالك بن الحارث وعبد الله بن مرَّة، ومالك بن الحارث من طريق منصور، وابن عباس من طريق سعيد بن جُبير، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق سعيد.
وورد عن ابن عباس من طريق العوفي: عيناً من ماء الجنة تُمزج به الخمر. وعن الحسن من طريق أبي رجاء: خفايا أخفاها الله لأهل الجنة. وعن ابن زيد: بلغنا أنها عينٌ تخرجُ من تحت العرش، وهي مزاج هذا الخمر. وعن الضحاك من طريق عبيد: شرابٌ اسمه تسنيم، وهو من أشرفِ الشراب. وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: يعلو شراب أهل الجنة (تفسير مجاهد وعبارته أوضح مما في الطبري). وعن الكلبي من طريق معمر: تسنيم: ينصب عليهم من فوقهم، وهو شراب المقرَّبين.
ويتلخَّص من ذلك أن تسنيم: عين، وماؤها يأتيهم من علو، وهو أعلى شراب أهل الجنة، وأنه يشربه المقرَّبون صِرْفاً، ويُخلطُ لغيرهم من أهل الجنة، والله أعلم.
أما تحديد أنه من تحت العرش فهو قول من تابع التابعي، ويتوقف في قَبول خبرِه هذا: لأنه أمر غيبي. =