المسألة الثانية: اختلف العلماء في قدر النصاب الذي يقطع به فذهب أكثر العلماء إلى أنه ربع دينار فإن سرق ربع دينار أو متاعا قيمته ربع دينار يقطع، وهذا قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وبه قال عمر بن العزيز والأوزاعي والشافعي. ويدل عليه ما روي عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا» أخرجاه في الصحيحين وذهب مالك وأحمد وإسحاق إلى أنه ثلاثة دراهم أو قيمتها لما روي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم أخرجه الجماعة. المجن: الترس، وروي عن أبي هريرة أن قدر النصاب الذي تقطع به اليد خمسة دراهم وبه قال ابن أبي ليلى لما روي عن أنس قال: قطع أبو بكر في مجن قيمته خمسة دراهم وفي رواية قطع رسول الله ﷺ أخرجه النسائي. وقال: الرواية الأولى، أصح.
وذهب قوم إلى أنه لا قطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم يروى ذلك عن ابن مسعود وإليه ذهب سفيان الثوري وأبو حنيفة لما روي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ أول من قطع في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم أخرجه أبو داود فإذا سرق نصابا من المال من حرز لا شبهة له فيه قطعت يده اليمنى من الكوع ولا يجب القطع بسرقة ما دون النصاب وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن القدر غير معتبر فيجب القطع في القليل والكثير وكذا الحرز غير معتبر أيضا عندهم وإليه ذهب داود الظاهري واحتجوا بعموم الآية فإن قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما يتناول القليل والكثير وسواء سرقه من حرز أو غير حرز.
المسألة الثالثة: الحرز، هو ما جعل للسكنى وحفظ الأموال كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس ويحفظون أمتعتهم فيها فكل حرز وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب أو مغلق، فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة فإنه ليس بحرز إلا أن يكون عنده من يحفظه أما نباش القبور، فإنه يقطع وهو قول مالك والشافعي وأحمد. وقال ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا قطع عليه، فإن سرق شيئا من غير حرز كثمر من بستان لا حارس له أو حيوان في برية ولا راعي له أو متاع في بيت منقطع عن البيوت فلا قطع عليه. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بفيه منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي. وزاد فيه: ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثله والعقوبة. ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة.
قوله: غير متخذ خبنة، الخبنة: بالخاء المعجمة وبعدها باء موحدة من تحت نون وهو ما يحمله الإنسان في حضنه. وقيل: وما يأخذه من خبنة ثوبه وهو ذيله وأسفله. والجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه مثل البيدر للحنطة. وروى مالك في الموطأ، عن أبي حسين المكي أن رسول الله ﷺ قال: لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة الجبل فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن. هكذا رواه مالك منقطعا. وهو رواية من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم فإن هذه الرواية عن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص قوله: ولا في حريسة الجبل. من العلماء من يجعل الحريسة السرقة نفسها.
يقال: حرس يحرس حرسا إذا سرق ومنهم من يجعلها المحروسة. ومعنى الحديث: أنه ليس فيما يحرس في الجبل إذا سرق قطع لأنه ليس بحرز. وقيل: حريسة الجبل هي الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل مأواها والمراح بضم الميم هو الموضع الذي تأوي إليه الماشية بالليل. عن جابر أن النبي ﷺ قال: ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس. قطع أخرجه الترمذي والنسائي.
المسألة الرابعة: إذا سرق مالا له فيه شبهة كالولد يسرق من مال والده والوالد يسرق من مال ابنه أو العبد يسرق من مال سيده أو الشريك يسرق من مال شريكه فلا قطع على أحد من هؤلاء فيه.