المسألة الخامسة: إذا سرق أول مرة قطعت يده اليمنى من الكوع وإذا سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم واختلفوا فيما إذا سرق مرة ثالثة فذهب أكثرهم إلى أن تقطع يده اليسرى فإن سرق مرة رابعة قطعت رجله اليمنى ثم إذا سرق بعد ذلك يعذّر ويحبس حتى تظهر توبته. يروى عن هذا عن أبي بكر وهو قول قتادة وبه قال مالك والشافعي لما روي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله» ذكره البغوي بغير سند وذهب قوم إلى أنه «إن سرق بعد ما قطعت يده ورجله فلا قطع عليه بل يحبس» ويروى عن علي أنه قال: إني أستحي أن لا أدع له يدا يستنجي بها ولا رجلا يمشي بها. وهذا قول الشعبي والنخعي والأوزاعي وبه قال أحمد وأصحاب الرأي.
[سورة المائدة (٥): الآيات ٣٩ الى ٤١]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١)
قوله تعالى: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ يعني من بعد ما ظلم نفسه بالسرقة وَأَصْلَحَ يعني وأصلح العمل في المستقبل فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ يعني فإن الله يغفر له ويتجاوز عنه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يعني لمن تاب رَحِيمٌ به.
(فصل) وهذه التوبة مقبولة فيما بينه وبين الله. فأما القطع، فلا يسقط عنه بالتوبة عند أكثر العلماء لأن الحد جزاء عن الجناية. ولا بد من التوبة بعد القطع وتوبته الندم على ما مضى والعزم على تركه في المستقبل. عن أبي أمية المخزومي أن رسول الله ﷺ أتي بلصّ قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخالك سرقت فقال: بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يعترف فأمر به فقطع. ثم جيء به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
استغفر الله وتب إليه. فقال رجل: أستغفر الله وأتوب إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم تب عليه. أخرجه أبو داود والنسائي بمعناه وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم. وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا غرم عليه فلو كان المسروق باقيا عنده يجب عليه أن يرده إلى صاحبه وتقطع يده لأن القطع حق الله والغرم حق الآدمي فلا يمتنع أحدهما بالآخر والله أعلم.
قوله عز وجل: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الخطاب للنبي ﷺ والمراد به جميع الناس وقيل معناه، ألم تعلم أيها الإنسان فيكون الخطاب لكل فرد من الناس أن الله له ملك السموات والأرض، يعني أن الله مدبر أمره في السموات والأرض ومصرفه وخالق من فيها ومالكه لا يمتنع عليه شيء مما أراده فيهما لأن ذلك كله في ملكه وإليه أمره يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ.
قال ابن عباس: يعذب من يشاء على الصغيرة ويغفر لمن يشاء على الكبيرة وقيل يعذب من يشاء على معصيته وكفره بالقتل والقطع وغير ذلك في الدنيا، ويغفر لمن يشاء بالتوبة عليه فينقذه من الهلكة والعذاب وإنما


الصفحة التالية
Icon