[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٢٦ الى ٣٨]

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥)
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قيل: الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أمره الله سبحانه وتعالى أن يؤتي أقاربه حقوقهم وقيل: إنه خطاب للكل وهو أنه سبحانه وتعالى، وصى بعد بر الوالدين بالقرابة أن يؤتوا حقهم من صلة الرحم والمودة، والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك وقيل إن كانوا محاويج، وهو موسر لزمه الإنفاق عليهم وهو مذهب أبي حنيفة. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا تلزم النفقة إلا لوالد على ولده أو ولد على والديه فحسب وقيل: أراد بالقرابة قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقدم الكلام على المسكين وابن السبيل وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تنفق مالك في المعصية. وقيل: لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ولو أنفق درهما أو مدا في باطل كان مبذرا. وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال: إنفاق المال في غير حقه. وقيل: هو إنفاق المال في العمارة على وجه السرف وقيل: إن بعضهم أنفق نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ يعني أولياءهم وأصدقاءهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف، وقيل: أمثالهم في الشر وهذا غاية المذمة لأنه أشر من الشياطين، والعرب تقول لكل من هو ملازم سنة قوم: هو أخوهم وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي جحودا للنعمة فما ينبغي أن يطاع لأنه يدعو إلى مثل عمله. قوله عز وجل وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ نزلت في مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسألون النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأحايين ما يحتاجون إليه، ولا يجد فيعرض عنهم حياء منهم ويمسك عن القول فنزلت هذه الآية. والمعنى: وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرت أن تؤتيهم ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها أي انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي لينا جميلا أي عدهم وعدا طيبا، تطيب به قلوبهم. وقيل: هو أن يقول رزقنا الله وإياكم من فضله. قوله سبحانه وتعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ قال جابر: أتى صبي فقال يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعا ولم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قميصه فقال للصبي: من ساعة إلى ساعة يظهر كذا فعد إلينا وقتا آخر فعاد إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا فأذن بلال بالصلاة، وانتظره فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فرآه عريانا فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك أي لا تمسك يدك عن النفقة في الحق والخير كالمغلولة يده لا يقدر على مدها وَلا تَبْسُطْها أي بالعطاء كُلَّ الْبَسْطِ أي فتعطي جميع ما عندك. وقيل: هذا تمثيل لمنع الشحيح، وإعطاء


الصفحة التالية
Icon