على مرضه الذي توفي فيه. فقال: يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري». فكان المسلمون يرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ماتت شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة.
عن عبيد الله بن سلمان أن رجلا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يتبايعون غنائمهم فجاء رجل فقال: يا رسول الله لقد ربحت اليوم ربحا ما ربحه أحد من أهل هذا الوادي. قال: ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا أنبئك بخير ربح؟ قال: وما هو يا رسول الله قال: ركعتان بعد الصلاة» أخرجه أبو داود.
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٢١ الى ٢٤]
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)
قوله تعالى: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها يعني وعدكم الله فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها يعني حفظها لكم حتى تفتحوها ومنعها من غيركم حتى تأخذوها، وقال ابن عباس: علم الله أن يفتحها لكم واختلفوا فيها فقال ابن عباس: هي فارس والروم وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم بل كانوا خولا لهم حتى أقدرهم الله عليها بشرف الإسلام وعزه. وقيل: هي خيبر وعدها الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها ففتحها الله لهم. وقيل: هي مكة. وقيل: هو كل فتح فتحه المسلمون أو يفتحونه إلى آخر الزمان وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً أي: من فتح القرى والبلدان لكم وغير ذلك وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي أسد وغطفان وأهل خيبر لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ أي لانهزموا عنكم ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً يعني من تولى الله خذلانه فلا ناصر له ولا مساعد سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ يعني هذه سنة الله في نصر أوليائه وقهر أعدائه وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ سبب نزول هذه الآية ما روي عن أنس بن مالك: «أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غدر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فأخذهم سبايا فاستحياهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم» انفرد بإخراجه مسلم وقال عبد الله بن مغفل المزني: «كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا اللهم لا فخلى سبيلهم».
ومعنى الآية، أن الله تعالى ذكر منته بحجزه بين الفريقين حتى لم يقتتلوا وحتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم من الفتح وهو قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ يعني أيدي أهل مكة وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ أي قضى بينهم وبينكم بالمكافة والمحاجزة بِبَطْنِ مَكَّةَ قيل: أراد به الحديبية. وقيل: التنعيم. وقيل: وادي مكة مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ أي مكنكم منهم حتى ظفرتم بهم وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً قوله عز وجل:
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
(ذكر صلح الحديبية) روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث