من القمم الشامخة، وبصماته واضحة في علوم الدين والدنيا، فقد صنف في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، كان أبوه من علماء الوزراء، تخرج بالِإمام الغزالي، وانتفع به كثيراً، وكان يعرف قدره، فهو الذي أطلق عليه عالم العلماء، كما أشار إلى ذلك في كتابه (قانون التأويل).
ويكفي ابن العربي فخراً أنه أستاذ القاضي عياض، وأبو بكر بن خير.
والقاضي عياض شيخ الإِسلام، حامل لواء العلوم الشرعية بيقظة وفهم، أبدع في كتابه (الشِّفَا في التعريف بحقوق المصطفى) إبداعاً فاق كل حدّ، وكتابه (مشارق الأنوار) الذي يقول عنه مؤلف (شجرة النور الزكية) "لو كتب بالذهب، ووزن بالجواهر لكان قليلاً".
أما أبو بكر محمد بن خير: فهو العلامة المحدَّث التقيّ الثقة المأمون، قال ابن العماد في شذرات الذهب عندما ترجم لابن العربي: "رحل إلى الشام وبغداد والحجاز ثم عاد إلى بغداد، ثم ذهب إلى مصر والإسكندرية، ثم عاد إلى الأندلس بعلم كثير".
وأضاف: "وابن العربي مفرط في الذكاء، عالم ناقد متبحر، قادر على نشر سائر علومه، مع الأدب وحسن المعاشرة، ولين الجانب".
وقال السيوطي في طبقات الحفاظ: "برع في الأدب، وكان ثاقب الذهن، كريم الشمائل، كما كان شديداً في الحق، ينتصر للمظلوم، وقد بلغ رتبة الاجتهاد".
أجل: والواصلون درجة الاجتهاد قِلَّة، وأقل منهم من أعد نفسه بحيث لو كان وحده لاستغنى به الناس عن غيره.
وابن العربي واحد من هؤلاء الكبار، تبحّر في المذهب المالكي حتى صار فيه علماً، وبه تبحر في سائر العلوم، فوعى الأصول، وأحكم الفروع وحفظ قضايا الصحابة والتابعين، مع دقة النظر في تخريج المسائل.