وهو المؤرخ الذي يقارن بين الروايات، وَيمِيزُ حقَّهَا من باطلها، ولا يكتفي بإيرادها كما هو شأن الكثيرين.
وهو المثقف الواسعُ الثقافة الذي لا يَقْصرُ نَفْسَهُ على فن أو فنون معدودة، وإنما يطوف بأرجائها، ويقطِفُ من ثمارها، ما طاب له التَّطْواف والقِطاف.
وهو المتكلم الذي درس عيون كتب الكلام، ونظر فيها نظراتٍ فاحصةً مستقلةً، لا يعنيها إلاَّ كشف الحق، ودحضُ الباطل الذي ران على كثيرٍ من أبحاث السابقين، واختيارُ الرأي الناضج الذي لا يتعارض مع حقائق الِإسلام.
ولست أقول ذلك مسلماً له جميع آرائه ومعتقداته، فهو مجتهد مكثر، ومن شأن الِإكثار أن يكون فيه عِثَار، ولكنه العِثَارُ الذي لا يكبُّهُ في الخطأ على وجهه، بل يقوم من عثرته سليماً معافىً، غير متجانف لخطأٍ، وإنما يشدُّ أزْرَهُ ويقوي صُلْبَهُ حبُّه للحق وبغضه للزيف والباطل.
وغنيٌّ عن البيان أن المكثرين من التأليف تقع في مؤلفاتهم الهنات والهنات.
وقد تعلقت ببعض تلك الهنات، وكشفت عن منبع الحق، فيها بأسلوب لا يديل من جلالة صاحبها، وقديماً قيل: "العظيم من عدت سقطاته" فلا بد والحالة هذه من هنة تغتفر، ومن تقصير يحتمل.
ومن عجيب الأمر أن ابن العربي هذا، لم يظفر بعناية الباحثين المحدثين، ولم يقم على نشر تراثه طائفة من ذوي الأقدار والأفهام الذين يحسنون قراءة نصوصه، ويدركون مرمى إشاراته، فكان انتفاع الناس بتراثه المطبوع انتفاعاً قاصراً، لما امتلأ به من غلط وتصحيف وتحريف ومسخ.
وقد اطلعت -بفضل الله- على جلّ ما وصلنا من كتبه المخطوطة، وبعد طول تردّد وعمق تفكير، واستشارة كثير من أساتذتي العارفين الخلصاء