الفصل الأول الحياة الفكرية في الأندلس
١ - مدخل:
مضى النصف الأول من القرن الخامس الهجري موسوماً في تاريخ المغرب الِإسلامي بسمة التصدع والتداعي والانحراف عن جادة الطريق، إذ ضعف ملك بني عباد وأفل نجمهم، ومال عزّ ملوك الطوائف وتهاوت كواكب سعدهم، وتقوّض سرادق مجدهم، فأقروا بالذلّ، واعترفوا بالضيم وانقادوا للهوان، فلم يعد الِإيمان يحرك أفئدتهم، ولا الإِسلام يرسم منهج حياتهم، فعميت عليهم وجوه الرشد، واستبهمت معالم القصد فتهاووا في شعاب الباطل، وهاموا في أودية الضلال، وتساقطت الثغور الإِسلامية نهباً بين أيدي المغيرين من أعداء الله ورسوله، فأظلمت الأجواء، وانطمست المسالك وتلاشت الآمال ووهنت العزائم واستحكم اليأس والفتور، وأخلد الناس إلى العجز ورضوا بالحرمان، وتحت ظل هذا الجو القاتم لمحت بارقة من صحراء المغرب الأقصى، أحيت الآمال وبعثت الهمم؛ قوة فتية أربأت بنفسها عن مواطن الذل، وتجافت عن مطارح الهوان، وصانت كرامتها عن معرة الامتهان، يلين الحديد ولا تلين وتخبو النار ولا تنطفىء حرارة تلك النظرات المتقدة بين أطباق اللثام (١)، أولئك هم المرابطون الذين رفع الله
لما حووا إحراز كل فضيلة | غلب الحياء عليهم فتلثموا = |