والدين حتى كان لا يقطع أمراً في جميع مملكته دون مشاورة الفقهاء (١) الذين أخلصوا لهذه الدولة فارتادوا لها نواحي الظفر، وتوخوا لها وجوه النجاح وبذلوا أقصى مجهودهم من أجل استقرارها، واستقصوا في سبيل ذلك الذرائع، واستنفذوا الوسائل، وركبوا كل صعب وذلول، ولا شك أن إقامة دولة إسلامية قوية على إثر إمارات ضعيفة أمر صعب، شديد المطلب، وعر الملتمس، عزيز المنال، ولكن بالإِخلاص والتفاني في حب الله ورسوله، وبالرغبة الصادقة في إعلاء كلمة الله عَزَّ وَجَلَّ تلين أعطاف الأمور، وتعن الرقاب، وتسهل الصعاب.
٢ - المذاهب الفقهية السنية:
يبدو -والله أعلم- أن أول المذاهب الفقهية دخولاً إلى الأندلس والمغرب هو مذهب الِإمام الأوزاعي (ت: ١٥٧)، وهو ما أشار إليه الحميدي في "جذوة المقتبس" (٢) وأكده المِقَّري التلمساني بقوله: "واعلم أن أهل الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي وأهل الشام منذ أول الفتح... " (٣) قلت: وهذا لا يمنع من وجود مذهب أبي حنيفة النعمان (ت: ١٥٠) فقد صرح بذلك الفقيه العظيم والمؤرخ الثبت القاضي عياض اليَحْصُبِيّ (ت: ٥٤٤) الذي قال: "وأما إفريقية (أي تونس) وما وراءها (أي الجزائر والمغرب والأندلس) فقد كان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين إلى أن دخل علي بن زياد (ت: ١٨٣) وابن الأشرس (ت: ١٧٠) والبهلول بن راشد (ت: ١٨٣) وبعدهم أسد بن الفرات (ت: ٢١٣) وغيرهم بمذهب مالك... " (٤) قلت: ويبدو أن الغلبة كانت في النهاية لمذهب

(١) المراكشي: المعجب: ٢٣٥.
(٢) صفحة: ٢٠٣.
(٣) نفح الطيب: ٣/ ٢٣٠ (ط: إحسان عباس)، وانظر أحمد بابا التنبكتي: نيل الابتهاج: ١٩١.
(٤) ترتيب المدارك وتقريب المسالك: ١/ ٢٥ (ط: الرباط)، وانظر المقدسي: أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم: ٢٣٧ (ط: ليدن).


الصفحة التالية
Icon