تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة... " (١).
قلت: وهكذا فقد حجر الفقهاء على الناس ألاَّ يأخذوا بكتاب الله ولا سنة رسوله - ﷺ -، حسبهم أقوال الفقهاء المتقدمين، بل المتأخرين من أصحاب مذهب مالك، فنصوص المذهب قامت مقام نصوص الشارع، بما لم يبق للاجتهاد معه مجال، ولا للاستنباط عمل يعمل به. وقد تنبه إلى هاته الظاهرة، أعني الابتعاد عن مصادر التشريع: الكتاب والسنة، علماء أجلاء في مختلف العصور بالمغرب الإِسلامي أمثال القاسم بن سيار الأندلسي (ت: ٢٧٦) الذي ألف كتاباً يرد فيه على المقلدين الأندلسيين كالعتبي (ت: ٢٥٥) وغيره، سماه: "الرد على المقلدين" (٢)، وكذلك العباس القيرواني الفارسي المحدث الذي أحرق بنفسه المدونة وكتب الرأي على مرأى ومسمع من الناس في وسط القيروان أوائل القرن الثالث الهجري حتى أدّبه أسد بن الفرات (ت: ٢١٣) على صنيعه وكان يقع في ابن القاسم وأضرابه من فقهاء الفروع (٣). وكذلك الفقيه ابن الحداد (ت: ٣٣٠) الذي يقول: "إن الذي أدخل كثيراً من الناس في التقليد نقص العقول، ودناءة الهمم" (٤).
أما الحافظ ابن عبد البر القرطبي (ت: ٣٦٨) فقد كان ينعي -دوماً- على أهل بلده، ما صاروا إليه من ابتعادهم عن كتاب الله وسنّة رسوله - ﷺ -، والعمل بعلم الفروع التي لَا حَدّ لها ولا نهاية، يقول رحمه الله: "إن طلب العلم في زماننا هذا، وفي بلدنا الأندلس، قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك ما لا يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك ما جاء به جهلهم

(١) المقدمة: ٥٢٢ (ط: التجارية).
(٢) القاضي عياض: ترتيب المدارك: ٤/ ٤٤٨ (ط: الرباط).
(٣) عياض: ترتب المدارك: ٣/ ٣٠٠ (ط: الرباط).
(٤) الحجوي الثعالبي: الفكر السامي: ٤/ ٢ (ط: المغرب).


الصفحة التالية
Icon