علماؤهم موقفاً حازماً ضد الكلام وأهله، فهذا ابن عبد البر القرطبي يُرْوَى عنه أنه قال:
"أجمع أهل الفقه والآثار في جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يُعدّون عند الجميع في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون في "الِإتقان والميز والفهم" وقال أيضاً: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلّ متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإِسلام، ويفجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها... وليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلاَّ ما جاء نصوصاً في كتاب الله أو صحّ عن رسول الله - ﷺ - أو اجتمعت عليه الأمة" (١).
وهنا ربما تساءل البعض: إذا كان هذا هو مذهب أهل المغرب الِإسلامي منذ دخول الإِسلام إلى أواسط القرن السادس، فما بالنا نرى مؤلفات بعض الأندلسيين يؤولون فيها النصوص، وينزعون إلى مذهب الأشاعرة، كما هو واضح بَيِّنٌ في كتب الباجي (٢) وابن العربي (٣) وابن السيدِ البَطَلْيَوْسِيّ (٤) وغيرهم؟.
فجوابنا هو كالتالي (٥):
مما لا شك فيه أن أهل المغرب الإِسلامي عرفوا المذهب الأشعري

(١) الحميدي: جذوة المقتبس: ١٠١ - ١٠٢، الضبي: بغية الملتمس ١٥٥ - ١٥٧.
(٢) انظر تعريف التأويل عند الباجي في كتابه "الحدود": ٤٨.
(٣) على الوجه المعلوم في كتبه.
(٤) في كتابه "التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين" ٦٥ - ٧٤ (ط: دار الاعتصام) ولابن السيد آراء فلسفية خطيرة سنتعرض لها باختصار فيما بعد.
(٥) لقد تجمع لي في هذا الموضوع مئات البطاقات التى سجلت فيها معلومات قيمة استخرجتها من مختلف كتب التراجم والأدب والفقه والتي تشير إلى الأشاعرة وكل ما يتصل بهم من قريب أو بعيد، بشرط أن تكون لهذه الإشارة علاقة بالمغرب الِإسلامي، فعسى الله أن ييسر لنا الكتابة في هذا الموضوع الذي يؤرخ للفكر العقدي في المغرب الِإسلامي، هذا التاريخ الذي =


الصفحة التالية
Icon