ولأفدن على أولاء الرجالات، وَلأتَمَرَّسنَّ بما لديهم من المعاقد والمقالات واكْتَتَمْتُهَا عزيمة غير مثنوية، فلما وقعت هذه الحال، كنت مع تفاقم الخَطْب، وتعاظم الأمر الواردين عليَّ، نِعْمَة سابغة، ونَعْمَة بالغة، أتسلّى بما كان في طَيَّتي من الرحلة، فترى كل من فقد نعمة يبتئس، وإذَا نَظَرْتَ إليَّ وَجَدْتَنِي أتَأنَّس.
فخرجنا (١) مُكْرَمِينَ، أو قل مكرهين، آمنين وإن شئت خائفين، وفررت منكم لما خفتكم، فوْهب لي ربي حكماً وجعلني من العالمين. وكتبني في أتباع من قال: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩].
(١) تطرق المؤلف - رحمه الله - في كتابه "سراج المريدين" لرحلته فقال: "خرجت سنة خمس وثمانين وأربع مئة في طلب العلم، وبرد الشباب قشيب، وكأس الفتُوةِ نضيب، وغصن الأماني رطيب. ودوخت من الأندلس إلى العراق فعل الصفاقِ الأفّاق، وأنخت بكل حضرة في عيشة نضرة، دين قائم، وبؤس نائم، وأكل دائم، وأمن متصل، وبر وإكرام غير منفصل، وعلم جم وإقبال عم، وعلماء رفعاء، بحور زاخرة، وأنجم زاهرة، وملوك جمع الله فيهم الدين والدنيا.. تفيض بركاتهم على الضيف، ويأمن جارهم من الحيف، أبصارهم عن المعايب مغضوضة، والمحاسن بعين المبرة لديهم ملحوظة. فأقمنا مع كلتا الطائفتين في دوح وَارِفَةِ الظلال، وقطفنا ثمر الأماني متصلة الإقبال، وقطعنا الزمان بالنظر في العلم، فجمعنا فنونه، وانتقينا عيونه، ونثلنا مكنونه، وفضضنا ختامه، وملكنا زمامه، فصرفناه تصريف الأفعال، ودفعنا به في سر المحال، وشددنا عليه يد المحال، ورجعنا منه بملء الحقائب ومنية الراغب وحسرة الغائب وغصة المجانب، ونحن نسأل الله أن يرزقنا العمل ويبلغنا فيه الأمل برحمته.... ": ١٥٢/ أ- ب.
أما عن سنه يوم خروجه فيقول:
"... وعجلت عَلَيَّ الغربة ابن ستة عشر عاماً فكنت فيها نحو الأحد عشر عاماً كأني في أهلي ومالي، طيباً عيشي، ناعماً بالي، ميسراً لي في جميع آمالي... ".
السراج: ٢٤٠/ ب.
أما عن سنه يوم خروجه فيقول:
"... وعجلت عَلَيَّ الغربة ابن ستة عشر عاماً فكنت فيها نحو الأحد عشر عاماً كأني في أهلي ومالي، طيباً عيشي، ناعماً بالي، ميسراً لي في جميع آمالي... ".
السراج: ٢٤٠/ ب.