فأخذت في قراءة شيء من أصول الدين، والمناظرة فيها مع الطالبين، ولزمت مجالس المتفقهين، وكان فيها الأدب على حالة وسطى.
فلما حان وقت إقلاع المركب في البحر إلى ديار الحجاز، اعتزمنا فركبناه بعد أن وعيت جملاً من المعلومات، تفسيرها في موضعها مسطور، فركبناه، وقد سبق (١) في علم الله أن يُعْظِمَ علينا البحر بِزَوْله (٢) ويغرِقَنَا في هَوْلهِ. فخرجنا من البحر خروج الميت من القبر، وانتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كَعْب مِنْ سُلَيْم (٣)، ونحن من السغب (٤) على عطب، ومن العُرْيِ في أقبح زي، قد قذف البحر زقاق زيت مزقت الحجارة هيئَتها، ودسمت الأدهان وبرها وَجِلدتها، فاحتزمناها أزُراً، واشتملناها لَفَفاً، تمجنا الأبصار، وتخذِلُنَا الأنصار، فعطف أميرهم علينا لعرق كان فيه من الحَضَرِ، وَخَفَرَنَا (٥) بحرمة أورثتها عنده سجية مصرية، إذ كان نشأ في

(١) النص التالي نقله المِقرِي في كتابيه نفح الطيب ٢/ ١٣ وأزْهَار الرياض ٣/ ٨٩ والرُّهُوني في شرحه لمتن خليل ٧/ ٣٦١ (نقلاً عن ابن غازي في التكميل)، ومخلوف في شجرة النور الزكية: ١٣٧.
(٢) أي بعجائبه وهو المعنى الذي ارتضاه الشيخ الرهوني في حاشيته: ٧/ ٣٦١.
(٣) الكعُوبُ: بطن كبير، من سُلَيْم بن منصور، من العَدْنَانِية، كانت مساكنهم ببرقة (ليبيا)، وكانوا رؤساء البدو بتلك الديار. انظر عنهم: ابن خلدون: العبر: ٦/ ٧٣، ٧/ ٢٧٣، القلقشندي: صبح الأعشى: ١/ ٣٤٥ وقلائد الجمان له: ١٢٣، النويري: نهاية الأرب: ١/ ٣٤١.
(٤) وهو الجوع مع التعب.
(٥) أي أجارهم ومنعهم وأصبحوا في ذمته.


الصفحة التالية
Icon