قال مجلي في أول مجلس: من قتل في الحرم، أو في الحل، فلجأ إلى الحرم قتل، لأن الحرم بقعة لو وقع القتل فيها لاستوفي القصاص بها، فكذلك إذا وقع القتل في غيرها، أصله الحل.
فقال له خصمه (١): لا يمتنع أن يقع القتل فيها ولا تعصمه، وإذا قتل في غيرها ولجأ إليها عصمته، كالصيد إذا لجأ إلى الحرم عصمه، ولو صال على أحد في الحرم لما عصمه، وهذا الفقه صحيح (٢)، وذلك أن القاتل في غير الحرم إذا لجأ إليه فقد استعاذ بحُرْمَته واستلاذ بأمَنَتِه وقد قال سبحانه: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]. وإذا قَتَلَ فيه فقد هتك حرمته، وضيع أمنته، فكيف يعصمه؟.
فقال له مَجَلِّي: هذا الذي ذكرت لا يصح ولا يَلْزَمُنِي لأن الحرم لم يحترم بحرمة القاتل، ولا باعتقاده واحترامه، وإنما احْتُرم بحرمة الله سبحانه التي جعلها الله فيه وحكم بها له، فسواء أقام القاتل هذه الحرمة أم لم يقمها لا يسقط شيء منها، فكان من حقك أن تعصمه على كل حال، لقيام الحرمة في الحرم لنفسه، وحكم الله بها له، ويخالف الصيد، فإن الله حرّم الصيد علينا ما دمنا حُرُماً، أي محرمين أو كائنين في الحرم، لكن الصيد إذا صال على أحد لم يجز قتله ولكنه يدفعه عن نفسه وإن أدى إلى قتله، كالمسلم فإنه احترم بحرمة الإِسلام، وعُصِمَ دمه بالشهادتين، فإذ صال على أحد وجب دفعه وإن أدّى ذلك إلى ذهاب نفسه.

(١) الخصم حنفيّ المذهب.
(٢) في هامش أ: قوله: وهذا الفقه صحيح من كلام الخصم لا من كلام ابن العربي.


الصفحة التالية
Icon