وخرجت حينئذٍ إلى عسقلان (١) متساحلاً، فألفيت بها بَحْرَ أدَب يَعُبُّ عُبَابُهُ، وَيغُبُّ (٢) مِيزَابُهُ، فأقمت بها لا أرتوي منه نحواً من سِتةِ أشهر، فلما كان في بعض الأوان، كنت منقلباً عن بعض الإخوان إلى أن جئت لَقَم (٣) طريق وقد امتلأ بالناس وهم مُنْقَصِفُونَ (٤) على جارية تغنِّي في طاق (٥)، فوقفت أطلب طريقاً أو أفكر في المشي على غيره وهي تترنَّمُ للتِّهَامي (٦):

أقُولُ لَهَا وَالعِيسُ تَحْدِجُ لِلنوى أعِدي لِفَقْدي مَا اسْتَطَعْتِ مِنَ الصبْر
ألَيْسَ مِنَ الخُسْرَانِ أن لَيَالِيَا تَمُرُّ بِلَا نَفْعٍ وتُحْسَبُ مِنْ عُمُرِي
فقلت لنفسي: محمد، هذا بشهادة الله وحي صوفي وهاتف ديني،
(١) مدينة بفلسطين على شاطئ البحر، فتحها معاوية رضي الله عنه سنة: ٢٣ هـ، انظر معجم البلدان: ٤/ ١٢٢، الروْضُ المِعْطَار للحميري: ٤٢٠.
(٢) يعب: يتتابع ويكثر موجه ويرتفع، ويغب: يسيل يوماً بعد يوم، والجملتان كناية عن كثرة العلم ووفرة المشتغلين به.
(٣) وسط.
(٤) مندفعون ومزدحمون.
(٥) الطاق هو ما عطف من الأبنية.
(٦) التهامي هو أبو الحسن علي بن محمد بن فهد شاعر مجيد، قتل في سجون مصر سنة (٤١٦) له ديوان شعر مطبوع. وهذان البيتان لم أجدهما في ديوان التهامي، ونسبهما ياقوت الحموي في معجم الأدباء: ١٠/ ٨٨ وابن خلكان في وفيات الأعيان: ٢/ ١٧٣ إلى الوزير أبي القاسم المغربي.


الصفحة التالية
Icon