واستطعمته التحقيق، وباحثته عنه خالصاً من غير مشارك، واستقصيته عن ما كان إمام الحرمين (١) رحمه الله يحوم في كتبه عليه، ويشير في أثناء كلامه إليه، فواساني مواساةَ الوالد، وآساني بل لم تنله قط الجماعة ولا الواحد. فلما طلع لي ذلك النور، وانجلى عني ما كان يغشاني من الديجور.
قلت: هذا مطلوبي حقاً، هذا بأمانة الله منتهى السالكين، وغاية الطالبين للعلم المبين، إني تارك لما تطلبون، ونابذ ما كنتم تقولون، وقد علم الِإمام أني من السالكين في سبيل المهتدين، فَسَدَّدَنِي إلى سوائها، وأوجد لي معلوم دليلها، وأرشدني إلى لَقَم ظاهرها وتأويلها، وليس التحصيل بطول الصحبة، وإنما هو فضل من الله وموهبة، فقد صحب النَّضْر بن شُمَيِّل (٢) الخليل بضع عشرة سنة، وصحبه سيبويه سنوات، فانظر إلى ما بين التحصيلين في المدتين، والمنزلتين فيما بين وبين.
ولقينا شيخ الشيوخ وصاحب الباب في العلم والرسوخ إسماعيل الطوسي (٣)، وقد بينا شرح ذلك في كتاب "عيان الأعيان" (٤).

(١) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينِي، من أعظم أئمة الأشاعرة، تتلمذ عليه الإِمام الغزالي، ورجع في آخر حياته إلى عقيدة السلف الصالح (ت: ٤٧٨) انظر ترجمته: ابن عساكر: تبيين كذب المفتري: ٢٧٨، السبكي: طبقات الشافعية: ٤/ ٢٤٩.
(٢) هو النضْر بن شُمَيِّل -مُصَغَّراً- بن خرشة بن زيد المازني، ثقة ثبت، من أهل "مرو" وأول من نقل الحديث إليها، وهو من تابعي التابعين (ت: ٢٠٣) انظر ترجمته: الزبيدي: طبقات النحويين: ٥٥، أبو الطيب: مراتب النحوين: ١٠٨، الذهبي: تذكرة الحفاظ: ٣١٤.
(٣) هو أبو القاسم إسماعيل بن عبد الملك الحاكمي الطُّوسِي، من تلاميذ الجُوينِيّ، كان إماماً بارعاً في الفقه وغيره من العلوم، وكان الإِمام الغزالي يجله ويقدره ويقدمه على نفسه (ت: ٥٢٩) انظر ترجمته: السبكي: طبقات الشافعية: ٧/ ٤٧، ابن الأثير: الكامل: ٨/ ٣٥١.
(٤) انظر دراستنا لمؤلفات ابن العربي.


الصفحة التالية
Icon