ولو شاء ربنا لخلق المعرفة لعبده ابتداءً من غير أن يَنْصُبَ لَهُ عليه دليلاً، ويُعَرّفَهُ بوجه الدليل، ولكنه بحكمته خَلَقَهُ غَيْرَ عالِم، ثم رَتبَ فيه العلم درجات (١)، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [النحل: ٧٨] (٢).
فلا إخراج أنفسهم علموه، ولا وصف ربهم عَرَفُوه، ولا شاورهم فيه، ولا علموا بحالة من أحواله. فخلق السمع لخطابه، والبصر للاعتبار به، والأفئدة لِمَقَر عِلْمِهِ (٣).
وعرف العبد نفسه في قوله: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] لئلا يعجب بنفسه ولئلا يتعجب أحد أيضاً من سوء فعله، ثم قال سبحانه: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤].
ليعرفك أن الشرف والقَدْر إنما هو للترْبِيةِ لا للتُرْبة (٤).
فإذا نظر العبد في نفسه علم أنه موجود لغيره، وتحقق أن ذلك الغير لا
الأول: أن يكون ما يخلق ابتداء في النفس كعلم المبتدأ والعاقبة إلى آخر العلوم الضرورية.
الثاني: تعليم النظر والتركيب في المعارف حتى يعلم ممَّا عُلِّمَ ما كان به جاهلاً.
الثالث: تعليمه التكلم باللسان والعبارة عما في الجنان من الكلام.
الرابع: تعليمه الكتابة.
الخامس: خلق العلم بالإلهام وذلك جائز إلا في باب الفرق بين الحق والباطل فلا يثبت".
(٢) انظر: الأحكام: ١٩٥٦، حيث أحال على القانون.
(٣) قارن هذه العبارات بكلام الإِمام القشيري في الإشارات ٢/ ٣١١، فلا شك أن ابن العربي قد استفاد منه.
(٤) هذه العبارة مقتبسة من القشيري في الإشارات ٢/ ٥٦٩.