ولا يجوز أن يكون له شبه في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل من أضاف ذلك إليه فهو مُشَبِّهٌ، ولذلك كان جميع من يخرج عن رسم المُوَحِّدِينَ مُشَبِّهاً (١)، وقد أحكم الله بيان ذلك بقوله: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ [الشعراء: ٩٤ - ٩٩].
ومن أئمة المجرمين القدرية (٢) الذين ساووا الثَّنْويَّة (٣)، فقالوا: "إن العباد يخلقون الشر دون الله"، فسووا بينهم وبين الخالق، وأخذوا منه ما أثبته لنفسه في قوله: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦].
فأخبر سبحانه أنه خلق أعمالهم كخلقه لهم. ألا ترى كيف زاده بياناً ليثبته برهاناً فقال عنهم وعن أمثالهم: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٧ - ٤٩] (٤).

(١) يوضح المؤلف هذه الفكرة في كتابه "المتوسط": ٩ فيقول: إذا ثبت أنه واحد، فمن الواجب فيه المعرفة باستحالة أن يكون له شبه ومثل، ولا تتم المعرفة إلاَّ بعد المعرفة بحقيقة المثلين. وها هنا زلّت الملحدة حين قالوا ليس بموجد ولا عالم لأن في ذلك تشبيهاً له بخلقه، وهذا يجرّ من المحالات إلى عظائم، منها اشتباه السواد بالبياض وكونها مثلين. وزلت المشبهة فأثبت للباري مماثلاً لخلقه في صفاته وذاته، وزلت المعتزلة فأثبتت للباري تعالى مثلاً في أفعاله يخلق كخلقه، وذلك يقتضي تناهي مقدوراته، وبهذا نطلق على الطوائف كلها -خلا أهل السنة- المشبهة".
(٢) أمثال مَعْبَد الجُهَنِي وَغَيْلان الدمَشْقي ومن تبعهما، ومن المعلوم أن من أصول أهل السنّة والجماعة -كما يقول المَلْطِي في التنبيه: ١٢ - وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره. كما أجْمَعَ أهل السنة على أن "ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون" انظر الأشعري: مقالات الإِسلاميين ٢٩٤ باب جملة أقوال أهل السنة.
(٣) هم فرقة من الكفرة يقولون بإثْنِينيَّةِ الإله، إله للخير، وإله للشر، انظر التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون: ١/ ٢٥٥، ٤/ ١٥٠ (ط/ تراثنا).
(٤) هنا ينتهي نص قانون القاهرة ٦٤/ ب.


الصفحة التالية
Icon