المظهر لتركيبها وصورها، والخالق أيضاً هو المخترع، والباري هو المصور على مثال، والمصور هو الجاعل له على هيئات وليس إيجاده لما أوجده على مثال للحاجة إليه، ولكنه سبحانه هو القادر المريد، إن شاء أن يوجد ابتداءً أوجد، وإن شاء أن يوجد على مثال أوجد، وله في ذلك القدرة الواسعة والحكمة البالغة.
وقد خلق أصول العالم أولاً من غير شيء، ثم رتب بعضها على بعض، ومن جملة ذلك ترتيب "آدم" على خلق "حواء" منه على ما ورد به الأثر الصحيح في قوله: "إن المرأة خلقت من ضِلَع إن ذهبت أن تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عِوَجٍ" (١).
ولهذا منع العبد من التصوير لئلا يضاهي خلق الله (٢)، وقد ارتبطت هذه الأسماء الثلاثة في حق الباري سبحانه بجميع المخلوقات ارتباطاً عاماً على اختلاف متعلقاتها كلها عموماً وخصوصاً حسبما رتبناه مبيناً في كتاب "الأمد الأقصى في الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال العدلى"

(١) نحوه في البخاري كتاب النكاح: ٧/ ٣٣، ومسلم في الرضاع: ٢/ ١٠٩٠ والدّارمي في النكاح: ٢/ ١٤٨.
(٢) فَصَّلَ المؤلف في الأمد: ١١٥/ أ، ب ما أجْمَلَهُ هنا فقال: "ووردت الرخصة في كل ما لا روح فيه من نبات أو جماد، ووقف النهي على ما فيه الروح لحكمة بديعة، وذلك أن كل مخلوق سوى الآدمي فإنما له صورة ظاهرة لا باطن لها، والآدمي خُلِقَ خَلْقاً بديعاً بأن جعلت له صورة ظاهرة وهي الخَلْق، وصورة باطنة وهي الخُلُق، ومدار الأمر فيه على الصفة الباطنة... فإذا تعاطى العبد تصوير ما لا باطن له مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ رُخْصة، وإذا تعاطى تصوير ما له صورة باطنة مُنِعَ من ذلك لثلاثة أوجه: الأول: ارتباط الصورة الباطنة بالظاهرة. والثاني: كونها طريقاً إلي المعجزة الظاهرة على يد عيسى... الثالث: كونها حمى للصورة الباطنة المعجوز عنها، وحكم الحمى حكم المحمي في الامتناع منه".


الصفحة التالية
Icon