وتفريغ القلب لإدراك الحقائق بطريق الأمثال، واطلاع على ما يكون غداً (١)، رأينا أنه حياة صحيحة، ويقظة محققة بدلاً عن موت مفقد، ونوم مفسد.
وقد يرى نفسه في الرؤيا كبيراً، وهو صغير، وصغيراً وهو كبير، وطائراً وهو يمشي، وبهيمة وهو آدمي، وقريباً وهو بعيد، وبعيداً وهو قريب، ومدركاً لما لا يناله في يقظته بحال، فلا يستنكر أن يكون له حالةُ وجود أخرى، يوجد ذلك كله فيها وهي الجنة، فيرتقي فيها إلى درجة عظيمة بتسخير الباري سبحانه له جميعَ الموجودات فيقول للشيء كن فيكون كما قال وأراد.
وقد يرى ذلك في منامه متفرقاً ومجتمعاً، وكذلك لا يبعد أن يكون جبريل عليه السلام تارة كبيراً حتى يملأ بجسمه الآفاق (٢)، وتارة صغيراً

(١) نلاحظ أن المؤلف رحمه الله قد تأثر تأثراً بالغاً بشيخه الغزالي الذي قال في معرض كلامه عن النبوة: "وقد قرب الله تعالى ذلك على خلقه أن أعطاهم أنموذجاً من خاصية النبوة وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب إما صريحاً وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير" المنقذ من الضلال: ١٤٦ وقارن كلام الغزالي بما جاء في الإشارات والتنبيهات لابن سينا: ٤/ ١١٩.
(٢) إشارة إلى الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه أنه - ﷺ - لما فتر عنه الوحي كان يجاور بحراء فلما هبط سمع صوتاً فرفع رأسه فإذا الملك الذي جاءه بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض قد سَدَّ الأفق بأجنحته... الحديث، البخاري في بدء الخلق: ١/ ٢٦، ٢٧ ومسلم في الإيمان رقم: ١٦١.


الصفحة التالية
Icon