قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤].
وترَتبُ عليه سائرُ البشارات المترادفة في القبر والنشر والعرصات عند نزول المخاوف بما يشاهد من عظيم الهول وشدة الكَرب وجواز الصراط وتطاير الصحف ونصب الميزان وزفرةِ جهنمَ ونداءِ اَلرب المتحابين والمقسطين.
فهذه أقسام النفس وأحوالها، وأصولُ مراتب كل قسم منها، ووجه ترتيبها في العلم وذكرها عند التعليم وما يرتبط بها، وسوقُها عند التعبير والتأويل، وتركيبُها على الآيات حيث ما وردت في كتاب الله، وضمُّ نشرها بذكر ما يتصل بها، وينفصل عنها، وإذا عرفت معنى النفس وحالها، وانقسامها في صفاتها، ونقصانها أو كمالها، وتصرفها في أفعالها، وأحكامها في انكفافها واسترسالها، وتوصلها إلى بارئها باستدلالها، فقد اختلف الناس كما قدمنا في القَسَمِ بِهَا:
وتحقيق ذلك أن المخلوقاتِ منها ما عَظَّمَ اللهُ، -وَكُل عَظِيمٌ-، لأن الله خلقه، ومنها ما صَغَّرَهُ، لأن الله ذَمَّهُ وَحَقَرَهُ، أو يقال فيه أنه صغيرٌ بمعنى أن قُدْرَةَ الله أعظم منه.
ولقد كنت يوماً في جامع الخليفة ببغداد لصلاة الجمعة، وإذا بصبي واقف عند حائط المقصورة لم يبلغ ثمانية أعوام بحال، وهو يتكلم في التوحيد ويورد فيه مسطوراً بديعاً، تعجز المشيخة عنه قد كان لُقِّنَهُ، فذكر أن عبد الله ابن المبارك سئل عن التوحيد فقال: هو ترك التعجب، ومعنى هذا: ألا ترى شيئاً بديعاً متقناً فتعجب منه لأن قدرة الله أعظم منه، فجعلت أنا أعجب وأطرق مدة متفكراً في جودة حفظه، وحسن إيراده على فرط صغر سنه.
قلنا: أن نعظم ما عظم الله لأنه خلقُ الله، ولنا أن نصغره لأن الله أعظم


الصفحة التالية
Icon