فقال: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص: ٧٢].
وقد قام الدليلُ على أن الجسد يفنى والروح يبقى، والباقي أشرف من الفاني، وحقيقة التفضيل انما يكون عندنا بالصفات لا بالذوات، فإنَّ الدليل قد قام على أن الذوات متجانسة.
مزيد بيان فيه:
قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.... الآية﴾ [الإسراء: ٨٥] (١).
فحجبها عن الخلق، فتسلطوا عليها، وتابعت الصوفيةُ الفلاسفةَ (٢) في

(١) قد أجاد المؤلف رحمه الله تحقيق هذا الموضوع -قضية الروح- في تفسيره الكبير الجامع المانع "معرفة قانون التأويل": ٥٩/ أ- ٦٦/ ب فقد ذكر فيه أقوال العلماء وَالفِرَقِ وتحرير آرائهم ومذاهبهم على أفضل وجه وأجمعه فَرَاجِعْهُ. وانظر المتوسط: ١٢١، المسالك في شرح موطأ مالك لوحة: ٧٢، القبس شرح موطأ مالك بن أنس: ١٠، العواصم: ٣٥، العارضة ٧/ ٤٢، الأحكام: ١٢٢٤.
(٢) على رأس الصوفية المتأثرين بالفلاسفة، شيخه الإِمام الغزالي والذي عناه بقوله: "قالوا" فقد صرح باسمه في المسالك: ٧٩ حيث قال: "وأما الذي ذهب إليه الطُّوسِي فهي عبارة فلسفية وهي عن سُبُلِ الشرْع قَصِية، وقد حام عليها في أكثر كتبه". قلت: وهذه العبارة الفلسفية هي التي أوردها ابن العربي هنا بقانون التأويل، وهي عند الغزالي في "روضة الطالبين": ٧٠ كالتالي: (... فإن قيل فما معنى قوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ وما معنى عالم الأمر وعالم الخَلْق؟ فيقال: إن كل ما يقع عليه مساحة وتقدير فهو من الأجسام وعوارضها، فهذا هو عالم الخَلْق، والخَلْق ها هنا بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد والإحداث، يقال خَلَق الشيء: قدّره، وكل ما لا كميةَ له ولا تقدير يقال انه أمر ربانيّ... فكل ما هو من هذا الجنس من أرواح البشرية وأرواح الملائكة يقال أنه من عالم الأمر، وعالم الأمر عبارة عن الموجودات الخارجة عن الحس والخيال والجهة والمكان والتحيز والدخول تحت المساحة والتقدير، لانتفاء الكمية عنه، فإن قيل: فهذا يُوهِمُ أن الروح قديم ليس بمخلوق، فيقال: قد توهم هذا قوم ضلال، فمن قال إنه ليس بمخلوق بمعنى أنه غير مقدر بكمية لأنه لا يتجزأ أو لا يتحيز فهو مصيب، إلا أنه مخلوق بمعنى أنه حادث وليس بقديم... ) ".
وانظر مثل هذا الكلام في كيمياء السعادة له: ٥٠٦، وللتوسع في معرفة آراء المتصوفة انظر


الصفحة التالية
Icon