القول في دلالة التوحيد بالتمانع (١) في قوله: ﴿وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: ٩١].
وقوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢].
وهذان الدليلان همان اللذان بسط العلماء ومهدوا بما يتعلق بهما من فصول وتوابع، ثم تكلموا مع المخالفين بمجرد الأدلة العقلية غير هذين ليرى الملحد أنه محجوج بكل طريق، وقد مهدنا ذلك في كتب "الأصول"، فلينظر فيها ولينقل منها.

= لا أول لها، فإذا ترتبت هذه الأربعة صحّ المطلوب.. " للتوسع في معرفة هذا الدليل انظر: "الوصول إلى معرفة الأصول" للمؤلف: ١٧، ابن فورك "رسالة التوحيد" ٣/ ب-٤/ أ (مخطوط عارف حكمت: ٩٢٦ تفسير) الجويني "لمع الأدلة" ٧٦، البيهقي: "الاعتقاد": ٣٨، وقال عنه شيخ الإِسلام: "إن هذا الأصل في إثبات وجود الله ليس من أصول الدين، وهذه الطريقة مما يعلم بالأضطرار أن محمداً - ﷺ - لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه، ولهذا اعترف حذّاق أهل الكلام كالأشعري وغيره بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم، ولا سلف الأمة وأئمتها، وذكروا أنها محرمة عندهم، بل المحققون على أنها باطلة عندهم، وإن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعى بها مطلقاً... " درء تعارض العقل والنقل: ١/ ٣٩.
(١) وطريقة الأشاعرة في تقرير هذا الدليل كالتالي: "لو افترضنا وجود إلهين قادرين على الفعل والتَّرْك أمكن التمانع بينهما بأن يريد أحدهما؛ تحريك الجسم، ويريد الآخر تسكينه، ويقصد كل منهما إلى تنفيذ مراده، فلا يخلو الأمر من وقوع أحد الاحتمالات الثلاثة الآتية:
الاحتمال الأول: تقدير حصول مراد كل منهما وذلك محال، لما يلزم عليه من اجتماع الضدين.
الاحتمال الثاني: تقدير ارتفاع مراد كل منهما، وذلك محال أيضاً لامتناع خلو الجسم عن الحركة والسكون، ولو صح وقوع هذا التقدير لما استحق كل منهما أن يكون إلهاً لعجزه عن تنفيذ مراده.
الاحتمال الثالث: تقدير نفاذ مراد أحدهما دون الآخر، وحينئذ فالذي نفذ مراده هو الإله آلْقَادِرُ دون غيره".
قلت: هذا الدليل هو الحجة المعتمدة عند جلّ علماء الكلام في الاستدلال على وحدانية الله عزّ وجلّ، ونحن نوافقهم على أن دليل التمانع دليل عقلي وبرهان تام على امتناع صدور العالم عن فاعلين قادرين صانعين له، ولكن الاعتراض عليهم يَكْمُنُ في معرفة مطلوب هذه الآية


الصفحة التالية
Icon