فإن الخير لا يحس بذواته ولا بأوقاته، بل يذهب معجلًا وتمر أوقاته سريعة، والضر يؤلم موقعه، ويرى موضعه، ويطول وقته، وَيمْنَعُ المَنْزُولَ به عن كل شيء سواه، فعبر بحاله الواقعة وصفته اللازمة، ألا ترى إلى قول العبد الصالح ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٣] فعبر عنه بأبلغ صفاته، وأعظم مواقعه وهي الإمساس لما فيه من عظيم الإحساس، ولم يعن في قوله بالضر ما نال جسمه من البلاء، وإنما أراد ما ناله به الشيطان من الوسوسة في نفسه باستطالة النبلاء وعظيم الضراء، وما ناله في أهله بما كان قد فاوضها فيه إذ لقيها في صورة رجل في الطريق على ما ورد في الأخبار (١)، ولذلك نسبه إلى الشيطان فقال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: ٤١].
وقيل لم يُضِفْهُ إلى الباري سبحانه أدباً كما فعل "إبراهيم الخليل" في قوله: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: ٨٠] وأضاف الأفعال كلَّها إلى الباري سبحانه وهي به ومنه، وأضاف المرض إلى نفسه وهو من فعل الله حقيقة أدباً لئلا يكون في معرض التشَكِّي، فآثرا جميعاً الاستسلام إلى الله سبحانه، وتأدّباً بإضافة الضرر إلى نفسهما، وهو من الله خلق، وفيهما حق.
السابع: أن الألفاظ كلها سواء لو وضع كل واحد منهما موضع الآخر لأجزأ، فقد قال في سورة الأنعام: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: ١٧].
وفي سورة يونس: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ

(١) انظر السيوطي: الدر المنثور: ٤/ ٣١٧، والقشيري: لطائف الإشارات: ٢/ ٥١٧ (ط: الثانية).


الصفحة التالية
Icon