منامي بيتي مملوءاً تعشيشاً أو أدناساً يقول له: طهر قلبك من شَغُوبِ الدنيا، وأرحاض المعاصي التي هي العجب والحسد والحقد ونحوه، وكما تطهّر الكعبة من القمامة والنخامة والمشركين كذلك، يلزم أن يطهّر القلب من علائق الدنيا القاطعة عن الله تعالى، وعن المعاصي التي تفترس الحسنات كما يفترس الذئب الشاة.
ومن باطنه أيضاً إلحاق سائر المساجد به في التطهير لاستوائها في حرمة المسجدية معه، وقد أضافها الباري إلى نفسه فقال: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨].
وهذا باطن فقهي ونظر عملي.
ومن باطنه عند قوم العبور به -بعد تقريره- من المشركين الذين قيل فيهم: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨]، إلى غير ذلك من الأجناس بتأميل أحد من الناس وتعظيمه. ولذلك قال العلماء: "مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِي ذَهَبَ ثُلثَا دِينِهِ" (١). لأن الدين اعتقاد وقول وعمل، فإذا هش إلى الغني لغناه، وسلم عليه لدنياه، وأعرض عليه بهواه، ذهب ثلثا دينه في الهش والسلام، وبقي له الثلث في الاعتقاد.
ولو هديت لهذه الفرقة الضالة من الشيعة والباطنية لما كانت عن

(١) هذا القول أسنده بعض العلماء إلى رسول الله - ﷺ -، فقد أخرجه الديلمي من حديث أبي ذر بلفظ "لَعَن اللهُ فَقِيراً تَواضَعَ لِغَنِيٍّ مِنْ أجْلِ مَالِهِ، مَنْ فَعَل ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَدْ ذَهَبَ ثُلثَا دِينِهِ" ونحوه في شعب الإيمان للبيهقي وهذه الأحاديث كلها ضعيفة بل أوردها ابن الجوزي في الموضوعات: ٣/ ١٣٩، انظر: فتاوى ابن الصلاح: ١٨، السخاوي: المقاصد: ٤٠٨، الزرقاني: مختصرة المقاصد: رقم: ٤٠٦، السيوطي: اللآليء المصنوعة: ٢/ ٣١٨، ملا علي القارئ: الأسرار المرفوعة: ٣٣٩، العجلوني: كشف الخفاء: ٢/ ٢٤١، ابن الديبع تمييز الخبيث من الطيب: ١٦٠.


الصفحة التالية
Icon