أصله. وعليه مبناه، لأن العلم أول، والعمل ثان، ولا يَتَأتَّى العمل إلا بالعلم، إذ لا تتفق عبادة إلا بعد معرفة المعبود.
وقد زلت في هذه طوائف يهولك أمرهم فقالوا: "إن العمل قبل العلم".
وغلت أخرى فقلبت القوس ركوة وقالوا: "إنما يتوصل إلى العلم بالعمل" (١).
ذكر بيان أن العلم قبل العمل
لأن محل العلم وهو القلب، خلق مستعداً للعلوم، وهو صقيل يصدأ بالذنوب، فإن أحجم العبد عن الذنوب بقي بصفائه، وإن أقلع عن الذنوب بالتوبة فهي صقالة، فيتجلى حينئذ فيه العلم (٢).
وتشبثوا بقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] (٣).
وقالوا: ذَكَرَ النبي - ﷺ - الفتن فقال: "تُعْرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوب عُوداً عُوداً، فَأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء، وأيُّ قَلْبٍ أنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ
(٢) توسّع المؤلف رحمه الله في عرض آراء الصوفية ومناقشتها في العواصم: ١٣ وما بعدها، السراج: ٢٣١/ ب-٢٣٢/ أ، ٢٣٦/ ب، وقانون القاهرة رقم: (١٨٤ تفسير) وصفحاته غير مرقمة، وقد تكلم في هذا الموضوع بمناسبة شرحه للآية الكريمة ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥].
(٣) علّق المؤلف على هذه الآية في كتابه سراج المريدين: ١٩٩/ أ- فقال: قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: يعني في مجاوزة حدود المعاملة الدينية التي بيّنا، ومنها فرض ومنها ندب. ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾: يعني ما ألزمكم به من العمل وندبكم إليه وجعل إخلاصكم فيه".