وتالله إني كنت محتشماً له غير راض عنه، وقد رددت عليه فيما أمكن، واحتشمت جانبه فيما تيسّر، وقد كنت أقبل على هذا المنكر، وأتتبع الرد على هذا المعترض من جميع جوانبه، إلا أنه مسطور في سائر كتب العلماء، فلا يمكن أن أخرج عن الغرض إليه، ويكفي ما نبهتكم منه عليه.
الطريقة الثالثة: قولهم "إن الخبر وإن كان ورد بهذه المعاني كلها والأسماء بجملتها وهي محمولة على ظاهرها، فلها عبرة إلى سواها مما في معناها".
ونحن نقول: إنه يمنع الاعتبار بالافتكار والتجاوز بالدليل من نظير إلى نظير، وهذا كلام صحيح للصوفية، وعلم بديع من علومهم، ومنهم من غلا (٣) فيه، ومنهم من اقتصد، ولكنه معروض على قوانين الشريعة، فما لم يعترض عليها، ولا قاد إلى مناقضتها فهو صحيح.
النظر الرابع: هو أنا نقول: قد قام الدليل العقلي على أن العلم قبل العمل كما قام الدليل الشرعي على أن العالم بالله هو الذي لا يعصي، قال الله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨].
فكل من علم أن الملكوت كله لله، وأن بدنه ونفسه من جملة ملكوته، وهو ملك له، لم يصرفه إلا بأمره، فإن عصاه فما قَدَّرَهُ حق قَدْرِهِ، ولا تحقق ما بلغ إليه من تحذيره.
فإن في: قد رأينا جماعة من المتبحرين في الفقه تعصي؟
قلنا: هذا الذي حصل له نوع من المعرفة، لا يختص بالباري تعالى