الأول: أنهم علموا علمهم ضرورة بما شاهدوا من الملكوت واطلعوا عليه من أمور الآخرة.
الثاني: توالي الأدلة عليهم باتصال المعارف وتتابع الطاعات، ولذلك كان النبي - ﷺ - يقول إذا دخل بيته وعافس أهله:
"فَإِنهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأسْتَغْفِرُ الله" (١) فكان يعتقد أن تلك الفترة لا يجبرها إلاَّ استغفاره، وهي عندنا نحن عبادة لما فيها لنا من العون على الطاعة، فإن الراحة بين العبادتين طاعة لنا لعجزنا عن الموالاة في الطاعة، وضعف أبداننا عن توالي العبادة، ولذلك نهانا النبي- ﷺ - فقال: "إِنَّ هَذَا الدينَ مَتِينٌ فَأوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ" (٢).
وقال: "إنَّ الله لَا يَمل حَتَّى تَمَلوا" (٣).
فأما نحن فقد دعينا إلى النظر والاعتبار على مناهج مشروعة، ونحن مأمورون بها، فمن قصد لَقَمَهَا فهو واصل، ومن حاد عنها فهو ناصل.
وأما الأولياء فهم أمثالنا في المعرفة، ولكنهم قوم واصلوا الطاعة فوصلوا، وقد بينا أن مواصلة الطاعة سبب لكل فضيلة.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: ٤/ ٣٨٦ في شرح معنى "إنه ليغان على قلبي" أي: لَيغَطى ويغشى، والمراد به: السهو؛ لأنه كان - ﷺ - لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سهى عن شيء منها في بعض الأوقات، أو نسي، عدَّه ذنباً على نفسه ففزع إلى الاستغفار. انظر: ابن سلام: غريب الحديث ١/ ١٣٦، الزمخشري الفائق: ٣/ ٨٢، ابن الأثير: النهاية: ٣/ ٤٠٣.
(٢) ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البزار والبيهقي، وقال عنه شيخنا ناصر الدين الألباني: حديث حسن، انظر: صحيح الجامع الصغير: ٢/ ٢٥٦.
(٣) هذا بعض حديث رواه البخاري في التهجد: ٣/ ٢٧٩، ومسلم في صلاة المسافرين رقم: ٧٨٥، والموطأ في صلاة الليل ١/ ١١٨، والنسائي في صلاة الليل: ٣/ ٢١٨. وعلق ابن العربي على هذا الحديث فقال: "المعنى فيه لا يترك ثوابكم حتى تتركوا العمل، وهي عبارة بديعة"، قانون الأسكريال: ٣٢/ أ، وانظر: المتوسط: ١٩.