من كلام الله إلى كلام الناس، والشيطان بفسقه إن قدر أن ينقل العبد من طاعة إلى معصية فعل، فإن غلبه، خدعه بأن ينقله عن طاعة إلى أدنى منها، فيربح معه ذلك المقدار، وأكثر ما يحفل بهذا الوعّاظ لاستجلاب قلوب العوام واستدرار خلف أموالهم.
ولقد سمعت بعض كبير المتصوفة يتكلم عن قوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] وقد رتب الكلام وساقه أحسن مساق في أجمل نظام، ثم جعل يمسح أعضاءه، ولوى أعطافه حتى ركب عليه قول الشاعر:

كتابي إليكم بعد موتي بليلة ولم أدر أني بعد موتي أكتب (١)
بكلام غريب على طريقتهم لست له، ولا أنتم فأعرضنا عنه.
مثل قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ.... ﴾ الآية [إبراهيم: ٢٤].
فتلك الشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين. فضرب الله المثل بسبعة لسبعة:
"الشجرة" للإيمان.
"وأصلها" للتوحيد.
"وثبوته" استقراره في القلب حتى لا تزعزعه رياح الشكوك، وترحضه أدناس الوساوس.
(١) لم أتمكن من معرفة قائل هذا البيت.


الصفحة التالية
Icon