وخلص من علم اللغة معرفة الكف، والقدم، والرجل، والقلب، وانظر في وجه الاستعارة لذلك بين الشيئين عند استوائهما في روح المعنى المعبّر به عنهما.
واعلم أن روح الكف القبض والتحصيل، وأن روح القدم السعي عليها تارة والرفس بها أخرى عند الغضب، وأن روح النزول إحياء البقعة بالتحسين والتحصين بتفقد الأحوال وإصلاح الاختلال، فهو سبحانه الذي تنزل وينزل وهو خير المنزلين (١).
والكل فعله لا وصف يقوم بذاته، وإلى هذا المعنى أشار الأوزاعي (٢) -حبر الشام- رضي الله عنه حين سئل عن قوله: "يَنْزِلُ رَبُّنَا" قال: "يَفْعَلُ الله مَا يَشَاء" (٣).
ورتب على هذا لطائف الباري بعبده بحسب ما تنتهي قوّتك في الحفظ والتركيب.
وإن عجزت، أو خفت وعر الطريق وخطر المشي، وما يحدث في

(١) انظر الاسم التاسع والستون "خير المنزلين" من الأمد الأقصى: ١٢٩/ ب.
(٢) هو الإِمام أبو عمرو عبد الرحمن الأوزاعي، ولد ببعلبك سنة: ٨٨ وتوفي ببيروت سنة: ١٥٧، عُرِضَ عليه القضاء فامتنع، انظر ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ق ٢/ جـ ١/ ص ٢٦٦، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي ق ١/ جـ ١/ ص ٢٩٨، وتذكرة الحفاظ للذهبي ١/ ١٧٨.
(٣) أورد هذا القول ونسبه إلى الأوزاعي شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول: ٤١ - ٤٢، والاستقامة: ١/ ٧٦. وقول الإِمام الأوزاعي في نزول الرب سبحانه وتعالى: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ قول حق، فالنزول صفة فعل لله تعالى، ينزل كيف يشاء ومتى شاء، لا يشبه نزول الرب نزول المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله الإِمام الأوزاعي هو رأي السلف في صفات الفعل الاختيارية لله تعالى. لكن قول ابن العربي في الكف والقدم والرجل والنزول: والكل فعله لا وصف يقوم بذاته" واستشهاده بقول الأوزاعي استشهاد في غير محله، لأن الِإمام الأوزاعي إنما قال ذلك في صفة النزول خاصة وهي صفة فعل اختيارية، ولا يخفى على الباحث الفرق الشاسع بين صفات الذات وصفات الفعل.


الصفحة التالية
Icon