فيعترض لك ها هنا مقام التوكل فتقتصر فيه على قدر طاقتك ومقام التفويض فاذكر منه ما يحسن، وركِّب عليه الاستسقاء بمَجَادِيحِ (١) السماء، والاكتساب للمعيشة التي بها قوام الحوباء (٢).
وتزيد عليه إن استطعت فتقول: بأن الماء فيه حكمة عظيمة، وهو أنه سبب الحياة في حين، فإذا طغى كان سبب الهلاك في الحين، وكذلك المال في المعنى، إذا ملكه العبد على قدر قام به معاشه، ويتفرغ لعبادة ربه، وإذا طغى عليه أهلك دينه.
وتتسع فتضرب الأمثال وتسوق الأخبار، وتبدأ بما عرض للنبي - ﷺ - مع
ثعلبة إلى آخر زمانك.
وتذكر عليه كما حديث ينظر إليه كقوله: "إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حلْوَةٌ" (٣).
وكذلك: "إِنَّ الخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلا بِالخَيْرِ" (٤).
وإن المال قد يكون شراً، وتجمع في ذلك بين الأثر والنظر، وتنشد إن كنت صوفياً:

نِعَمُ الله لَا تُعَاب وَلَكِن رُبمَا استقبحت عَلَى الأصْحَاب
(١) المَجَادِيحُ جمعْ مِجْدَح، وهو نجم من النجوم، قال ابن الأثير: "وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر" قلت: وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال:
"اسْتَسَقَيْت بمَجَادِيحِ السمَاءِ"، وقال ابن الأثير: "فجعل (أي عمر) الاستغفار مُشَبهاً بالأنواء، مخاطبة لهم بما يعرفونه، لا قولاً بالأنواء، وجاء بلفظ الجمع لأنه أراد الأنواء جميعها التي يزعمون أن من شأنها المطر" النهاية: ١/ ٢٤٣، وانظر الزمخشري في الفائق: ١/ ١٩٥.
(٢) الحوباء: النفس.
(٣) هذا جزء من حديث طويل رواه بهذا اللفظ ابن ماجه في أبواب الفتن رقم: ٤٠٤٨، والبخاري في تاريخه: ١/ ١/ ١٩٠، والحافظ أبو بكر الشيباني في كتاب الزهد: ٧١رقم الحديث ١٥٤.
(٤) هذا جزء من حديث طويل تخريجه في صفحة: ٥٨٨.


الصفحة التالية
Icon