الأخرى غير كتاب "الِإحياء"، وكان يُكْبر ما قام به الغزالي في نقد الفلاسفة وإضاءة المسالك للعلماء لفهم القضايا الفلسفية ونقدها، وكان يقول فيه: "إنه بدر في ظلمة الليالي، وعقد في لبّة المعالي... إذا لقيته لقيت رجلاً علا في نفسه، ابن وقته لا يبالي بغده ولا أمسه.... " (١).
وكان ابن العربي يرى "أن المهاجمين للِإسلام من الفلاسفة لما ردَّ عليهم رجال من أعيان الأمة، لم يكلموهم بلغتهم، ولا ردُّوا عليهم بطريقتهم، وإنما ردّوا عليهم بما ذكر الله في كتابه، وعلّمه لنا على لسان رسوله - ﷺ -، فلم يفهموا تلك الأغراض، وطفقوا يهزؤون بتلك الردود، ويضحكون منها، فانتدب أبو حامد للردّ عليهم بلغتهم، ومكافحتهم بسلاحهم، والنقض عليهم بأدلتهم، فأجاد في ما أفاد، وأبدع في ذلك كما أراد الله.. " (٢).
وهكذا فقد أثنى ابن العربي على جملة من كتب الغزالي في تقويم الفلسفة ونقدها وتمحيصها (٣)، ولكن هذا لم يمنعه من توجيه نقده الشديد واللاذع للآراء الِإشراقية المبثوثة في كتبه بعامة وفي "الإحياء" بخاصة (٤) بل وصفه في كتابه "العواصم من القواصم" بقوله: كان أبو حامد تاجاً في هامة الليالي، وعقداً في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج على الحقيقة، وحاد في أكثر أحواله عن الطريقة، وجاء بألفاظ لا تطاق، ومعان ليس لها مع الشريعة انتظام ولا اتساق.. " (٥).
قلت: ويؤيد رأي ابن العربي الِإمام المازري الذي أثنى على أبي
(٢) العواصم من القواصم: ١٠٥ - ١٠٦.
(٣) انظر مدحه "للقسطاس المستقيم" و"معيار العلم" في العواصم ١٠٦، إلاَّ أنه انتقد الغزالي في "المعيار" لكونه أدخل فيه أغراضاً صوفية فيها غلو وإفراط.
(٤) انظر صفحة: (٥٥٤) من هذا البحث.
(٥) العواصم من القواصم: ١٠٧.