كما انتصر له أبو الفضل يوسف بن محمد النحوي (ت: ٥١٣) (١) وكتب لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بذلك، وأفتى بأن الأيْمان التي فرضت في عملية التفتيش أَيْمان لا تلزم وقال: "وددت أنني لم أنظر في عمري سوى كتاب الِإحياء" وكان قد انتسخ كتاب "الإِحياء" في ثلاثين جزءاً، فإذا دخل رمضان قرأ كل يوم جزءاً (٢).
كما ثبت عن أبي الحسن علي بن محمد الجذامي، المعروف بابن البَرْجي (ت: ٥٠٩) (٣) أنه أوجب في من امتثل لأمر السلطان فأحرق كتب الغزالي تضمين قيمتها لأنها مال مسلم، وكذلك يؤدب محرقها، وقيل له: أتكتب ما قلته بخط يدك؟ قال: سبحان الله. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، ثم كتب السؤال في النازلة وكتب فتياه بعقبه، ودفع إلى أبي بكر عمر بن أحمد الفصيح وأبي القاسم بن ورد (٤) وغيرهما من فقهاء المرية ومشايخها، فكتب كل واحد منهم فيه بخطه: "وبه يقول فلان" مُسَلِّمين لعلمه وزهده، فغاظ قاضي الجماعة ابن حمدين ذلك، وكتب إلى قاضي المرية حينئذ أبي عبد الملك مروان بن عبد الملك (٥) بعزله عن خطة القضاء (٦).
وأختتم هذا المبحث بمقتطفات من مقدمة كتاب "المدخل لصناعة المنطق" (٧) لأبي الحجاج يوسف بن محمد بن طُمْلُوس (ت: ٦٢٠) ففي هذه المقدمة عرض دقيق للِإطار التاريخي للحركة العلمية في الأندلس (٨).

(١) انظر ترجمته عند: التادلي: التشوف ٧٢ ابن مريم: البستان ٢٩٩، التنبكتي: نيل الابتهاج ٣٨٣.
(٢) السلاوي: الاستقصاء ٢/ ٧٤.
(٣) انظر ترجمته عند ابن الأبار: التكملة ١٨٤١ (ط: مجريط).
(٤) انظر ترجمته عند ابن الأبار: المعجم ٢٣ (ط: مجريط).
(٥) انظر ترجمته عند ابن الأبار: التكملة ١٧٤٧ (ط: مجريط).
(٦) ابن الأبار: المعجم.
(٧) نشره مع ترجمة إسبانية المستشرق الإسباني آسين بلاسيوس، وظهر الجزء الأول عام ١٩١٦.
(٨) لا شك أن الصراعات الفكرية بالأندلس لا يمكن أن تفهم بالنظر إلى الأفكار مجردة عن سياقها التاريخي ومحيطها الاجتماعي الذي ظهرت فيه.


الصفحة التالية
Icon