فقالت طائفة: لا وزن، ويخلق الله في كل كفة من الاعتماد بحسب ما علم فيها من الِإخلاص والسواد (١).
وقالت طائفة، لا كفة ولا شاهين، ولكن يعرف الله العباد بمقادير أعمالهم بما يخلق لهم في قلوبهم، فتقوم الحجة عليهم بما عملوا فيما علموا، قاله مجاهد، وعجب له. ولكن ليس في هذه المسألة تبديع ولا تكفير، وإنما هي جهل بوجه الدليل، إذ قد اتفق الكل على أنه لا بد من الاستعارة في هذه الآية.
فأهل السنة تجاوزوا في الأعمال على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والمعتزلة وضعوا المجاز في الوزن، فقالوا: يعبر به عن العلم، إذ فائدة الوزن العلم، والعرب تعبر عن الشيء بفائدته في سبيل المجاز، كما تعبر عنه بمقدمته. قال بعض علمائنا: فإن حكمنا في هذا الموضع بتغليب أحد الوجهين، كنا حاكمين في موضع المطلوب فيه القطع بالظن (٢).

(١) قال المؤلف في قانون القاهرة: ١٤٢/ أ: "ونفت الجهمية والمعتزلة والأباضية وبعض الملحدة والإسماعيلية الميزان وقالوا: لا ميزان إلاَّ العدل والقسط، وقيل: إنما يوزن ثوابها".
قلت: وللتوسع في هذا الموضوع انظر: سراج المريدين: ٤٠/ أ.
(٢) جواب الإِمام الغزالي لابن العربي هو كالتالي:
"الوصية الثالثة": أن يكف عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله - ﷺ - بالظن والتخمين خطر، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظْهَارِ مُرَادِهِ، فإذا لم يظهر، فمن أين تعلم مراده؟ إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات ويبطل الجميع إلا واحداً، فيتعين الواحد بالبرهان. ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير، فمتى ينحصر ذلك؟ فالتوقف في التأويل أسلم. مثاله: إذا بأن لك أن الأعمال لا توزن، وورد الحديث بوزن الأعمال، ومعك لفظ الوزن ولفظ العمل، وأمكن أن المجاز لفظ العمل، وقد كنى به عن صحيفة العمل التي هي محله حتى توزن صحائف الأعمال، واحتمل أن يكون المجاز هو لفظ الوزن، وقد كنّى به عن ثمرته وهو تعريف مقدار العمل، إذ هو فائدة الوزن، والوزن والكيل أحد طرق التعريف، فحكمك الآن بأن المؤول لفظ العمل دون الوزن، أو الوزن دون العمل من غير استرواح فيه إلى عقل أو نقل حكم على الله وعلى مراده بالتخمين".
قانون التأويل للإمام الغزالي: ٢٤٠ - ٢


الصفحة التالية
Icon