على الاستكثار من التقييد، ووقعت الآن فيما حَذَّرني منه، فإني لا أقدر على العمل بما علمت، والله المستعان.
فإن قيل: وهل يقدر أحد على العمل بما علم؟.
قلنا: إن الله سبحانه لم يكلف عباده إلاَّ ما يطيقون (١)، وقد سألوه ألاَّ يحمّلهم ما لا طاقة لهم به فقالوا:
﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قال النبي - ﷺ -: قال الله تعالى: نعم، وقد فعلت (٢).
وقال النبي - ﷺ -: "إِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (٣) ولكن هذا إنما يكون في الأوامر، فأما النواهي فالعبد مأمور بالانكفاف عنها على الإطلاق، إذ ليس فيه كلفة إِلا من جهة مجاهدة النفس، وحذف الشهوات، وذلك مُمْكِنٌ عادة، فأما القيام بحق الخدمة في باب الأوامر، فذلك القدر هو الذي وقع عنه العجز، وهو الذي كره النبي - ﷺ - تعاطيه للخلق فقال: "عَلَيْكُمْ مِنَ الأعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَ الله لَا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا" (٤).
وكما جعل العلم قسمين: منه ما يدركه الخلق، ومنه ما لا يدركه الخلق، وجعل الكتاب قسمين: منه محكم هو أم الكتاب، وآخر متشابه،
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان: رقم: ١٩٩، ٢٠٠.
(٣) أقرب رواية إلى رواية المؤلف هي ما أخرجه ابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله - ﷺ -، رقم: ٢ (ط: الأعظمي) وانظر نحوه في مسلم كتاب الحج رقم: ١٣٣٧، النسائي في الحج: ٥/ ١١٠، وابن حبان في صحيحه: ١/ ١٥٦ (ط: شاكر).
(٤) سبق تخريجه صفحة: ٥٦٥ تعليق: ٣.