محمد بن عبد الله بن العربي في ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمئة (١)، فنشأ هذا الشاب وهو لا يعرف من جده إلاَّ اسماً سيّاراً، ومقاماً علمياً واضحاً، ونسبة مشاعة بين الأقطار، متأثراً بما نزل به من المحن والأنكال، فتسلّى عن هذا كله بتتلمذه على والده، العالم الأديب والسياسي المحنك، فنشأ نشأة علمية، وأقبل بهمة فتية على التفنن في المعارف وجمع أطرافها، واستكمال آلاتها، ولم يكد يبلغ السابعة عشرة من عمره، حتى قدّر الله لدولة بني عباد أن تسقط، واستولى المرابطون على إشبيلية، وصادروا أموال أمرائها ووزرائها، ومن بينها ضياع الوزير أبي محمد بن العربي (٢)، فما كان من الوالد إلاَّ أن ترك البلاد مع ولده في رحلة علمية سياسية دوّن أخبارها ابن العربي الابن في "شواهد الجلة" (٣).
٢ - رحلته في طلب العلم:
كان ابن العربي -رحمه الله- برماً بالوضع الذي كانت عليه الثقافة الدينية في الأندلس، متطلعاً إلى منبع الحكمة والعلوم، متشوقاً إلى لقاء العلماء الفحول، فالنظرة الضيقة عند الفقهاء بطريقتهم الالتزامية الضيقة، طالما جثمت بكلكلها على أهل البحث والنظر، وأحرقت مواهب العلم الحق، والفقه الصحيح، إذ صارت على طريقة التقليد، بحيث أصبح عمل المقلدين حجة لا يلتفت بعدها إلى كلام أئمتهم الأولين، وهذه النزعة هي التي شكى منها المؤلف في العواصم حيث قال: "صار التقليد ديدنهم،
الصلة: ١/ ٥٩٠.
النباهي: المرقبة العليا: ١٠٦.
ابن خلكان: وفيات الأعيان: ٤/ ٢٩٧٤.
الذهبي: العبر: ٤/ ١٢٥، تذكرة الحفاظ: ١٢٩٤ وغيرها من المراجع.
(٢) انظر ابن الأبار: المعجم: ٦.
الثعالبي الحجوي: الفكر السامي: ٤/ ٥٦.
(٣) تعتبر "الشواهد" المذكرات السياسية لرحلتهم إلى المشرق، انظر قائمتنا لكتبه رقم: ٢٤ من هذا البحث.