الواضحة في الفكر الإِسلامي، ولو كان لي من الأمر شيء لأمرت أن يطبع هذا الكتاب ويوزع مجاناً ليكون في يد كل مسلم يحب الله ورسوله.
ومن حِكَمِ الله سبحانه وتعالى أن وهب لسلفنا -رضي الله عنهم- بعامة وابن العربي بخاصة قدرة نفسية عجيبة يجعلون بها العلم خفيفاً محمله، لا يعيا به معانيه ومزاوله، بل يتنقل بين فنونه في شوق ولهفة لا نجدها حين نزاول تصانيفنا الحديثة، وكتاب "قانون التأويل" من جملة هذه الكتابات اللطيفة التي تمتاز بالعلم الغزير، والبيان الأصيل، الذي يشوق القلوب، ويستولي على الأفئدة، ويملأ النفوس بالِإعجاب. فقد لجأ هذا الِإمام العظيم إلى إقامة ميزان عدل صحيح كما عرفه من دينه الحنيف، خدمة للعلم وطلابه، يتحصنون به -إذا ما حصلوه على وجهه- عن الخطأ في الفهم، كلما خاضوا في تفسير النصوص الشرعية، أو تعاطوا تأويلها.
ولا شك أن طالب العلم إذا أغفل مثل هذه الموازين الحقة، والقوانين المضبوطة، لم يكد يسلم من هجنة التقصير وسوء التأويل.
وهذا الكتاب قد يعتقد القارئ الكريم في أول الأمر وبادىء الظن أنه يكفي ويغني. حتى إذا نظر فيه الناظر، وجد الأمر على خلاف ما حسبه، والحق أن هذا الكتاب عبارة عن قوانين منهجية تفتح للقارىء الطريق ليسلكه، وتضع له القاعدة ليبني عليها، وتستحثه لإعمال النظر، والمبالغة في الفحص، والِإغراق في البحث، والِإمعان في التنقيب، وحقيق بمن يقرأ "قانون التأويل" أن يعود إلى كتب ابن العربي بعامة فيستنبئها التفصيل والشرح.
وفي الختام أقول:
طلب مني ابني محمد أن أكتب له هذه الكلمة، وقد تضاءلت القوة، أو زالت، وحل محلّها الضعف والعجز، وتلاشى الأمل، وحل محلّه الشعور بدنو الأجل وقرب الرحيل. والله يشهد -ولا أظن مؤمناً يُشْهِدُ الله على أمر هو كاذب فيه- أنني أترقب الموت في كل لحظة، وأرجو لقاءه في كل حين،


الصفحة التالية
Icon