وقال مكي بن أبي طالب القيسي: (وحجة من خففه أنه جعله نداء، فالألف للنداء، ودليله قوله: (هل يستوي) ناداه، شبهه بالنداء، ثم أمره، ويحسن أن تكون الألف للاستفهام، على أن تضمر معادلاً للألف في آخر الكلام، تقديره: أمن هو قانت كمن هو بخلاف ذلك، ودل عليه قوله: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). ولا بد من هذا الإضمار، لأن التسوية تحتاج إلى اثنين، وإلى جملتين، والقراءتان متقاربتان حسنتان) (١).
ولا يختلف كلام أبي البركات بن الأنباري كثيراً عما قاله مكي. قال ابن الأنباري:
(من قرأ بالتخفيف ففيه وجهان:
أحدهما: أن تكون الهمزة للاستفهام بمعنى التنبيه...
والثاني: أن تكون الهمزة للنداء، يا من هو قانت أبشر فإنك من أهل الجنة...)
(٢).
وقال نصر بن علي في الموضح: (والوجه أن الألف للاستفهام، و (من) موصولة بمعنى الذي، و (هو قانت) صلتها، والتقدير: أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً، وليس للنداء ههنا موضع) (٣).
وهذا أبو حيان النحوي يحتج لها من الشعر والنثر، فيقول: (أمن) بتخفيف الميم، والظاهر أن الهمزة لاستفهام التقرير، ومقابلة محذوف لفهم المعنى، والتقدير: أهذا القانت خير أم الكافر المخاطب بقوله: (قل تمتع بكفرك) ؟ ويدل عليه قوله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). ومن حذف المقابل قول الشاعر:

دعاني إليها القلب إني لأمرها سميع فما أدري أرشد طلابها (٤)
(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ /٢٣٧، وينظر: النشر ٢ / ٣٤٧، وزاد المسير ٧ / ١٦٥، وتفسير النسفي ٤ /٥١.
(٢) البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٢٢
(٣) الموضح ٣ / ١١١٢، يشير إلى الذين فسروا الهمزة بأنها حرف نداء.
(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، ينظر: شرح أشعار الهذليين ١ / ٤٣، وهو من شواهد المغني برقم / ٤، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧١....


الصفحة التالية
Icon