لمحة وجيزة عن نشأة علم القراءات
لقد نزل القرآن الكريم منجماً على قلب الرسول ﷺ خلال ثلاثة وعشرين عاماً. قال تعالى: (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) (١). وإن أول ما نزل منه قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم) (٢). فهذه الآيات هن أول رحمة رحم الله بها الدنيا، وأول نعمة أنعم الله بها على البشرية. وإن آخر آية نزلت في أرجح الأقوال (٣) هي: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (٤). وإنّ نزول القرآن منجماً هو بمثابة نشوء للقراءات، فقد أقرأ جبريل النبي ﷺ القرآن الكريم من أوله إلى آخره آية آية، وكان رسول الله - ﷺ - يعلّم الصحابة بعد نزول الآيات مشافهة، وهم بدورهم يعلمونها من سواهم. وكان النبي الكريم يتلو الآيات على أصحابه حسب لهجاتهم الفصيحة، تيسيراً عليهم. فيأخذونها عنه مشافهة بلهجاتهم التي تختلف من قبيلة إلى أخرى.
ثم إن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد اختلف أخذهم وتلقيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبب نزول القرآن على سبعة أحرف، فلما تفرقوا في البلاد وهم على هذه الحال، اختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين عن التابعين، وهلم جرّا، حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء المشهورين، الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات، يضبطونها ويتقنونها وينشرونها.

(١) سورة الإسراء / ١٠٦.
(٢) سورة العلق / ١ - ٤.
(٣) ينظر فتح القدير ١ / ٣٨٠
(٤) سورة البقرة / ١٨١.


الصفحة التالية
Icon