الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالنظر في كتاب الله، نجد أنها قد وردت بهذا المعنى في سورة "آل عمران"، في ثلاثة مواضع، في سياق الحديث عن واجب الأمة المسلمة تجاه مجتمعها، بل والمجتمع البشري، في قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: ١٠٤).
فهذا أمر من الله لأمة الإسلام أن تكون بكامل أفرادها قائمة على قدم وساق، لا يغفلون ولا يتهاونون ولا يتوانون في الدعوة إلى الخير، وفي الأمر بالمعروف والنهي عنه، كما دلّ على ذلك استعمال الفعل المضارع في قوله: ﴿يَدْعُونَ﴾ و ﴿يَأْمُرُونَ﴾ و ﴿يَنْهَوْنَ﴾ وقد حكم الله بأنّ الفلاح مختص بهذه الأمة وحدها إن هي فعلت ذلك، كما يفهم من أسلوب القصر في قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وإنها قد بلغت الغاية التي لا تدرك، كما يرشد إليه استعمال اسم الإشارة البعيد في قوله: ﴿وَأُولَئِكَ﴾ ويجوز أن تكون "من" في قوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ﴾ للتبعيض، وهذا يعني أن يكون في الأمة أناس هم أعمدة الأمة وحداتها والحراس لدينه، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولو خلت الأمة من هؤلاء انفرط عقدها، وانتشر الفساد في أرجائها، وكانت عرضة للزوال، ولذلك قال الضحاك في هذه الفرقة: "هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة" يعني المجاهدين والعلماء، وهذا لا يتعارض مع أن تكون أمة الإسلام بأكملها قائمة على شريعة الله حامية لحوزة الدين، وليقم كل واحد بدوره، حسب موقعه وظروفه.
ومما يؤيد ذلك ما جاء في الموضع الثاني في السورة -سورة آل عمران- من بيان سبب خيرية الأمة الإسلامية، كما قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: ١١٠)


الصفحة التالية
Icon