يقول ابن كثير بعد أن ذكر بعض الأحاديث والأقوال: "والصحيح أنّ هذه الآية عامّة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذي بعث فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلوونهم، ثم الذين يلوونهم".
والموضع الثالث في سورة "آل عمران" جاء في ذكر صفة فئة من أهل الكتاب، عرفوا الحق فاتبعوه؛ كعبد الله بن سلام، وغيره ممّن أسلموا من أهل الكتاب، قال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (آل عمران: ١١٣، ١١٤)، فذكر من صفاتهم التي تميزوا بها، وكانوا بها من الصالحين، أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وفي سورة "النساء" في قوله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ (النساء: ١١٤) ترى أنّ الله حصر خير الكلام في ثلاثة، في الأمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، ومع أنّ الأمر بالصدقة أمرٌ بالمعروف، وأن الأمر بالإصلاح بين الناس أمر بالمعروف، إلّا أن الأمر بالمعروف أعمّ وأشمل، فقد ذكر أمرًا خاصًّا ثم عامًّا ثم خاصًّا؛ ليكون هذا الأمر العام -وهو المعروف- واسطة العقد؛ إزهارًا لمنزلته وأهميته.
وفي سورة "المائدة" في بيان ما كان من أمر بني إسرائيل، يقول تعالى: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة: ٧٩)، وقد ذكر الله ذلك؛ ليبين لماذا استحق بني إسرائيل اللعنة على لسان داود وعيسى بن مريم، كما قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (المائدة: ٧٨)،


الصفحة التالية
Icon