وقال أعز من قائل: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (النحل: ٧٢)، إلى غير ذلك من الآيات التي تُبرز هذه الحقيقة؛ لتكون معلمًا يهدي السائرين إلى خالقهم، ويرشدهم إلى أن أمرهم كله بيده؛ لأنه هو الذي خلقهم على هذا النحو البارع، فعليهم أن يعبدوه وحده.
كما أن هذه الحقيقة منارة للزوجين، فتعلم الزوجة أنها جزء من زوجها، وهل يستغني الجزء عن أصله، ويعلم الزوج أن زوجه جزء انفصل منه فهو دائمًا يشعر بحاجته إلى أن يعود إليه هذا الجزء، وهذه هي الفطرة التي خلق الله الناس عليها، فمن تنكَّر من الزوجين لصاحبه ولم يشعر بحاجته إليه؛ فقد تنكر لهذه الفطرة. وهذا الذي قرره القرآن أساس مهم في بناء الأسرة في القرآن.
الأساس الرابع: هو أن العلاقة التي تربط بين الزوجين ليست كما قال العقاد: صفقة تجارية يساوم كل منهما الآخر؛ لينال منه أقصى ما يستطيع من أرباح مادية، إنما هي علاقة السكن والمودة والرحمة، والقرآن حين يذكر ذلك يذكره في سياق بيان آياته في خلقه، والتي تُثبت أنه الإله الواحد الأحد، وأنه قادر على بعث خلقهم بعد موتهم يقول -عز وجل-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: ٢١)، والسكن راحة واطمئنان، والمودة محبة تجمع بين القلوب، والرحمة عطف وحنان ورعاية، وكل من الزوجين يؤدِّي هذا إلى صاحبه دون أن تكون هناك سابق معرفة من قرابة، أو رحم قبل الزواج، فلمَّا تمَّ هذا الارتباط بعقد الزواج كان ما ترى من التجانس والالتقاء والمحبة والرحمة، أليست هذه آية من آيات الله تدعو إلى التفكر في قدرة الله التي تُصرّف القلوب