وفق ما تشاء، وقد قالوا بأن المودة تكون في أيام الشباب، والرحمة في مرحلة الكبر، ولو أن هذه العلاقة كانت قائمة على مجرد استمتاع كل منهما بالآخر، وحاجة كل منهما لقضاء وطره؛ لما بقي بيت قائم، وإلا فماذا يكون عليه حال زوجين كبر سنّ واحد منهما، أو أصيب أحدهما بما يجعله غير قادر على إعطاء الآخر ما يطلبه من متعة الفراش، وكثيرًا ما يحدث فتور في هذا الأمر للانشغال بتربية الأولاد وكثرة مشاكل الحياة، فتبقى المودة التي جمعت بين الزوجين في سنوات الشباب نبراسًا يضيء جوانب الرحمة، ويدعو إليها وفاء لأيام وسنوات عمر خلت، فما أجمل هذا المنهج الرباني، وما أعظمه.
وقارن بين هذا الذي تراه من رعاية كلٍّ من الزوجين لصاحبه في سنوات العجز والكبر والمرض، وما هناك في دول تدَّعي الحضارة والمدنية من ضياع للكبار والمرضى، حتى أنشأت هذه الدول لهؤلاء دُورًا تُعرف بدور المسنين لرعايتهم، فهل تغني رعاية هذه الدور عن رعاية زوج لزوجته، أو زوجة لزوجها، وكل ما في هذه الرعاية من مودة ورحمة، واحترام لإنسانية الإنسان، وصون لكرامته، وهو بين زوجه وأبنائه وأحفاده وإخوته وأخواته، وأهله وعشيرته، وكل منهم حريص على أن يُقدِّم العون، ويواسي بالنظرة والكلمة، وما يستطيع من كل ما يخفّف الألم، ويدخل السعادة والسرور على القلوب.
هذه بعض الأسس التي تقوم عليها الأسرة في القرآن الكريم، فإن بداية تكوين هذه الأسرة يبدأ بالتفكير في الزواج، ومَن هذه التي تصلح لتكون رفيقة ضرب الحياة، وقد وضع الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مؤشرات ترشد من يريد الزواج إلى حسن الاختيار، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((تنكح المرآة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين الدين تربت يداك)) وجعل هذا الدين هو الأساس أيضًا


الصفحة التالية
Icon