معه فتجد المكر والدهاء وسوء الأخلاق، فتدينه لم يؤتِ أكله ولم يثمر ثمرته من التخلق بالأخلاق الكريمة، فإذا ما تزوج كان وبالًا على زوجته، وكانت لحظات الحياة معه كأنها القرون، فيها من سوء العشرة بكل ما تعنيه سوء العشرة في قول أو فعل ما يُعَجِّل بالشقاء والفناء.
فليكن هو السبب الثاني: وهو عدم التدقيق في أهم شرط في اختيار من ستتزوجها، وأهم شرط فيمن ستزوجه وهو الدين والخلق، فليتحقق هذا الشرط أولًا، ثم ليكن ما بعده لمن شاء من مال أو جمال أو وظيفة، أو أسرة لها منزلتها في مجتمعها، دون أن تكون هذه الأسباب أسبابًا أصيلة في الاختيار؛ لأنها كلها أعراض زائلة قد تبقى وقد تزول وقد تتغير.
فإذا ما اقتنع كل من الطرفين بصاحبه تقدم الشاب ومعه بعض أهله وعشيرته لخطبة الفتاة، والخطبة ليست زواجًا قائمًا على الإيجاب والقبول والشهود وحضور الولي، يبيح للخاطب ما يبيحه عقد الزواج من جواز الخلوة والاستمتاع، ويوجب المهر والنفقة، إنما الخطبة وعْد بالزواج، والخاطب -كما ذكرنا- ما زال رجلًا أجنبيًّا كأي رجل، لا يجوز له أن يخرج مع مخطوبته ولا أن يخلو بها إلا في وجود محرم، والخطبة فترة يكتشف فيها كل من الجانبين ما عند صاحبه من خلق ودين؛ لأن رؤية الخاطب للفتاة ورؤية الفتاة للشاب تعطي صورة أولية وعامة للشكل الخارجي، وهل هو مقبول.
كما أن معرفة الخاطب أو المخطوبة عن طريق السؤال قد لا تعطي الصورة الحقيقية، أو الصورة الكاملة، فتأتي أيام الخطبة وما فيها من التزاور والمناقشات والمعاملات أحيانًا ما يكشف حقيقة كل منهما.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة | وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَم |