ومع أن الله قد جعل للرجل حق قيادة الأسرة، فإنه لم يجعلها قيادة مستبدة، إنما أقامها على التشاور والتراضي.
وعند التنازع لا بد من حسم الموقف بكلمة من القائد حتى لا يتهدم البناء، فالأسرة المسلمة لا تعرف الاستبداد بالرأي، ولا الظلم في المعاملة ولا الطاعة العمياء، بل هناك حقوق وواجبات؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل الطاعة للشرع، فطاعة الزوجة لزوجها ليست لشخصه، بل للأوامر والقواعد والنظم التي بموجبها تم عقد الزواج، وطاعة الزوج ليست من قبيل المَنِّ أو العطف، بل من قبيل القيام بالواجب.
فإذا ما فهمت المرأة المسلمة والزوج المسلم حدود هذه القوامة، أدى كل منهما واجبه تجاه صاحبه، والآيات الكريمة تذْكر أن الزوجة الصالحة مطيعة حافظة لمغيب زوجها في نفسها وماله، أما التي يبدو منها عوارض التمرد والعصيان؛ فإن الزوج -كما أوضحت الآية- يوجه إليها النصيحة، ويذِّكرها بحق الله عليها، ويبين لها ما في عصيانها من خطر يهدد حياتهما، وحياة أبنائهما، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة.
فإن لم يُجْدِ الوعظ فالهجر في المضاجع، وهو عقوبة نفسية تتأدب بها المرأة، وليست عقوبة جسدية تحرمها من لذة الجسد بضعة أيام أو بضعة أسابيع، وإلا لكانت عقوبة للرجل أيضًا وهو درس قاسٍ يصيب المرأة في الصميم، فإذا لم يفلح الوعظ ولا الهجر فليس هناك إلا الضرب، فإنه هو الذي يصلحها له ويجعلها توفي له حقه.
والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب المبرِّح، وهو الذي لا يكسر عظمًا ولا يُشِين جارحة، فإن المقصود منه الصلاح، فلا جَرَم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان.


الصفحة التالية
Icon