فهذه أم موسى في خوفها على رضيعها، تخشى من فرعون وجنده أن يعتدوا عليها، وأن يأخذوا وليدها، وأن يقتلوه لوهم كاذب ورؤيا خاطئة، ولكن الله ألقى في روعها أنها إذا خافت على وليدها هذا، فعليها أن تلقيه في اليم وألا تخاف وألا تحزن، وقد وعدها الله -سبحانه وتعالى- بأن يرد إليها وليدها ليكون هذا الوليد من المرسلين.
وسارت أحداث القصة وجرى قدر الله بالذي كان في علمه، فهذا هو فرعون وجنده يلتقطون الصندوق الذي فيه هذا الوليد؛ ليكون هذا الوليد لهم عدوًا وحزنًا: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ (القصص: ٨) وألقى الله محبة موسى في قلب امرأة فرعون فقالت: هذا قرة عين لي ولك، وأمرتهم ألا يقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا وهم لا يشعرون، وحين علمت أم موسى بما كان في الأمر أصبح فؤادها فارغًا، كما قال تعالى، حتى لقد كادت تبدي من شدة جزعها وخوفها على وليدها أن هذا الغلام هو ابنها، لكن الله ربط على قلبها لتكون من المؤمنين.
وأوصت ابنتها أن تبحث وأن تتقصى أخبار هذا الطفل وأخبار موسى: ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (القصص: ١١) وجرى قدر الله -سبحانه وتعالى- بأن هذا الوليد، وقد جاءوا له بالمراضع من كل مكان، فلم يلتقم ثدي واحدة منهن فقالت البنية: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرد الله -سبحانه وتعالى- موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون.
والقصة كما نرى تنتقل من مرحلة الطفولة، والتي تربى فيها موسى في بيته ومع أمه، ولكنه لما بلغ أشده واستوى كان في بيت فرعون، وقد آتى الله موسى حكمًا وعلمًا، وكذلك نجزي المحسنين، هو يعلم أنه من بني إسرائيل،