الآية وما فيها من جمال لغوي، وبيان لألوان الهداية والرشاد، وكل هذه الألوان قريبة من بعضها، ولكن التفسير الموضوعي يأتي في قمتها؛ لأن المفسر للقرآن تفسيرًا موضوعيًّا، قد يحتاج إلى عرض آية بما فيها من روعة التعبير، وما تحمله من دروس وعبر.
وقد يعرض للقصة كما يعرض لها كتاب القصة، لكن القصص القرآني ليس فيه مجال لخيال، ولا استنطاق لشخصيات، ولا اختراع لحوارات، فكل شخصية يعرضها هي شخصية حقيقية، يعرفها الزمان والمكان، وكل كلمة تقال هي الصدق بعينه، لا مجال فيها لزيادة أو نقصان، ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ (آل عمران: ٦٢) وقال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ (الكهف: ١٣) وقال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (يوسف: ١١١).
قصة أصحاب الكهف وما فيها من العظات والعبر
وعلى هذا سوف أبدأ بتوفيق الله في بيان قصة أصحاب الكهف، والتي بدأت في سورة "الكهف" في الآية التاسعة حيث يقول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ (الكهف: ٩) ولم ترد كلمة الكهف في القرآن إلا هنا في سورة "الكهف"، معرفة بأل في أربعة مواضع، ومضافة إلى ضمير من كانوا في الكهف في موضعين، أما كلمة الرقيم فلم تذكر أيضًا إلا هنا، وإن كانت قد وردت بصيغة اسم المفعول مرقوم مرتين في سورة المطففين في قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ (المطففين: ٨، ٩)، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ (المطففين: ١٩، ٢٠).